حيفا ــ فراس خطيبوزيرة الخارجية تسيبي ليفني تمنَّت دخول التاريخ من بابه الواسع على رأس حكومة مستقرة في دولة لا تعرف الاستقرار، وأملت أنْ تتخذ قراراتٍ جوهريةً في ظل الصراعات الأزلية المفتوحة على حدودها الثلاثة. لكنَّها وجدت نفسها في تاريخ من نوع آخر، يجمعها مع ماضي شمعون بيريز، فهما المكلفان الوحيدان في تاريخ تأليف حكومات الدولة العبرية، اللذان أعادا سلّة التكليف فارغةً إلى ديوان الرئاسة. بيريز في عام 1990، وهي في عام 2008 لتتحول من «رئيسة الوزراء المستقبلية» إلى مرشحة غير مؤكدة للمنصب نفسه.
ليفني سوّقت نفسها على أنَّها صاحبة «السياسة الأخرى». كان سهلاً على مقربيها تسويقها على أنَّها «النظيفة» في بلاد الفساد السلطوي. فهي لا تعرف كيف تبدو مكاتب تحقيق الشرطة، ولم تتورط ذات يوم بـ«مظاريف نقدية»، كما رئيس الوزراء الحالي إيهود أولمرت، ولم تشتبه بنيلها هدايا بطريقة غير قانونية مثل بنيامين نتنياهو، ولم يطرح اسمها في قضية الجمعيات كما حصل مع إيهود باراك.
النظافة نقطة لمصلحتها، لكنَّها غير كافية لإيصالها إلى كرسي رئاسة الحكومة. عليها أن تذكر أرييل شارون حين حصد غالبية المقاعد البرلمانية في انتخابات عام 2003، في خضمّ تورطه بأكبر قضايا الفساد. عليها الاستفادة من تجربته، ليس لكي تصبح فاسدة، لكن كي تفهم أن نظافة اليدين وحدها لن تسعف طموحها.
منذ انتخابها رئيسة للحزب الحاكم «كديما»، أخطأت ليفني في تشخيص الحاضر السياسي الإسرائيلي. تربعت على رئاسة الحزب بفارق بسيط عن خصمها شاؤول موفاز ورافقتها تفاصيل ليست لطيفة بكل ما يتعلق بفرز الأصوات. الاستطلاعات منحتها فوزاً ساحقاً، والحقيقة منحتها فوزاً بالقوة.
قبل اختيارها لرئاسة «كديما»، قالت ليفني إنَّ «الانتخابات لا تخيفني»، لكنَّها سَعَتْ ليل نهار لتأليف حكومة تجنباً للانتخابات. وقَّعت اتفاقاً مع حزب «العمل»، أظهرت تفاصيله إلى أي حدٍّ انعدمت الثقة بين الحزبين. واليوم، يبدو هجومها المنقطع النظير على الحزب الديني «شاس» غير مجدٍ ولا يجدّد للجمهور الإسرائيلي شيئاً. هكذا كان حزب «شاس» مع ليفني، وهكذا سيبقى بعدها. ربما أحرزت نقطة لمصلحتها عندما «لم تخضع» إلى «الابتزاز»، لكنّها في الوقت نفسه، لم تؤلف حكومة، وأثبتت ما سعى خصومها لإثباته، «أنها ليست على قدرٍ كافٍ من التجربة السياسية».
لكن في ظل التحولات السياسية الإسرائيلية، الصورة اليوم غير واضحة. بينما تمنحها استطلاعات الرأي الجديدة تفوقاً طفيفاً على نتنياهو، يقول المحللون إنّ ليفني ستجد صعوبة مستقبلاً في تأليف الحكومة.
من جهة آخرى، ستتنافس ليفني على رئاسة الوزراء في مقابل باراك ونتنياهو، الاثنان كانا رئيسين للوزراء، وخرجا من دون إنجاز يذكر. تجربتهما السياسية في الماضي فشلت. باراك خرج مع الولاية الأقصر تاريخياً، ونتنياهو خسر الانتخابات واعتزل السياسة، تاركاً «الليكود» لأرييل شارون.
قد يكون هذا لمصلحة ليفني، لكن عليها أوّلاً أن تخفف عبء حزبها عنها، لأن «كديما»، رغم نجومة سياسيّيه، من شاؤول موفاز إلى حاييم رامون، لم يسجل أي إنجاز باسمه.
كان من الأفضل أن تذهب ليفني إلى الانتخابات وهي رئيسة للحكومة. ستكون ربما أقوى وصاحبة نفوذ أكبر، لكنها اليوم، ستتجه إلى الانتخابات مع حزب يجر من ورائه إخفاقات كبيرة. وظل شارون، الذي منح رئاسة الوزراء لأولمرت، لم يعد ساري المفعول. لكن وزيرة الخارجيّة ستحاول قدر المستطاع بناء شخصية «القائد المفقود» في إسرائيل. وليس صدفة أن «منتدى المزرعة»، الذي رافق أرييل شارون في فترته الذهبية قبل غيابه، هو نفسه تقريباً الذي يرافقها في معركتها التي لا تزال طويلة.