رغم رفض إسرائيل التعليق رسمياً على الاعتداء الأميركي على سوريا، انبرى محلّلوها لهذه المهمة، فقاربوا دوافعه وأهدافه، وشرحوا توقيته وتداعياته
يحيى دبوق
نقلت صحيفة «إسرائيل اليوم» أمس عن «محفل أمني رفيع المستوى» قوله إنه «لم يكن لإسرائيل أي صلة» بالهجوم على منطقة البوكمال، الذي رفصت إسرائيل رسمياً التعليق عليه.
ورأى محلل الشؤون العسكرية في «يديعوت أحرونوت»، اليكس فيشمان، أن الهجوم الأميركي يمثّل «رسالة مهينة إلى السوريين». وقال إن «الأميركيين قرّروا إهانة السوريين، بعدما ملّوا من ألاعيب (الرئيس بشار) الأسد، لذلك أطلقوا نحوه رسالة علنية مهينة وصاخبة». وأضاف إن «الكرة الآن باتت في اليدين السوريتين. الأميركيون حددوا التسعيرة، وهي أنه: إذا ما استمرت التهريبات، فستستمر النشاطات العسكرية».
وقال فيشمان إن «إسرائيل هي الأخرى بعثت بإشارة إلى السوريين، وإن كانت لفظية، ولكن يختبىء خلفها تهديد باستخدام القوة: وزير الدفاع (أيهود) باراك التقى أمس (الأحد) قائد اليونيفيل، وأطلق عبره تحذيراً يتعلق بنقل بطاريات صواريخ مضادة للطائرات من سوريا إلى حزب الله. وإسرائيل ترى في ذلك ليس فقط خرقاً للقرار 1701 الصادر عن مجلس الأمن، بل نقل وسائل قتالية خارقة للتوازن، صواريخ تعرّض للخطر حرية طيران سلاح الجو. وقد سبق لإسرائيل أن هدّدت في هذه المسألة قبل شهرين من خلال مبعوثي الأمم المتحدة إلى المنطقة، والسوريون أوقفوا في حينه الخطوة. مر شهران وإذا بهم ينسون».
بدوره توقف رون بن يشاي، في «يديعوت»، عند توقيت القرار الأميركي وتفسيره، فأوضح أن «الرئيس الأميركي قرر خلع القفازات وجعل من لا يوقف الإرهاب يرى أن الولايات المتحدة ستقوم بذلك بنفسها». وبحسب يشاي، لقد «أدرك الأميركيون أن دمشق لن تغضب في الواقع، إذا هاجمت الولايات المتحدة بنجاح قاعدة للجهاد العالمي. فبعد كل ما حصل، كثيراً ما فضل السوريون أن يقوم أحد ما بهذا العمل من أجلهم».
في المقابل، رأى يشاي أن «هذه العملية تثير الدهشة إثارة كبيرة لجهة توقيتها». ولفت إلى أن «هناك تفسيراً واحداً محتملاً وهو أن إدارة (جورج) بوش عملت السبت، لأنها قررت أخيراً تغيير سياسة مكافحة المنظمات الإرهابية والعصابات»، التي تعمل في أفغانستان والعراق. وأضاف إن «ثمة اهتماماً لدى الرئيس الأميركي الذي ستنتهي ولايته بعد نحو شهرين، ولدى قيادة البنتاغون الحالية، بأن يُبقوا خلفهم إرثاً يرشد خلف بوش، وربما أيضاً سيبقون خلفهم رائحة الانتصار».
وبحسب يشاي، «ثمة تفسير آخر مرتبط بالمرحلة السوداء التي مرت أخيراً بين النظام السوري ورجال القاعدة، الذين يعملون في العراق ولبنان. وهذا التطور هو ما دفع الأميركيين إلى تقدير أن دمشق لن تغضب إذا نفذت الولايات المتحدة هجوماً ناجحاً على قاعدة للجهاد العالمي، حتى وإن حصل الهجوم على أراضي سوريا السيادية، وحتى إذا ارتبك الرئيس الأسد ونظامه قليلاً بسبب ذلك».
بدوره، تطرّق مراسل الشؤون العسكرية في «معاريف»، عامير ربابورت، إلى الزاوية الإسرائيلية في الهجوم الأميركي على سوريا، الذي «لا يتوقّع أن يؤثر بطريقة ما على ما جرى القيام به على الحدود بين سوريا وإسرائيل». وأضاف إن «مصادر التقدير في إسرائيل، تدرك أنه في الوقت الذي يحاول فيه النظام السوري إمساك العصا من طرفيها، أي الاقتراب من الغرب، وفي المقابل إجراء تحالف لا نظير له مع إيران ومع حزب الله، تتلقى سوريا في الواقع النار من كل الاتجاهات».
ومن الزاوية الأميركية، رأى ربابورت أن «العلاقات بين سوريا والولايات المتحدة تعاني محورين متعارضين. ففي واشنطن يجدون صعوبة في أن يغفروا للحكومة السورية السنوات التي ساعدت فيها عناصر الإرهاب المعروفين بالإسلام المتطرف، الذين استخدموا مناطق سورية قاعدةً لنشاطاتهم ضد قوات أميركية وحلفاء عراقيين على أرض العراق. ومن سخرية القدر أن للهجوم الأميركي الأخير ثمّة اتحاداً في الهدف بين الولايات المتحدة وسوريا».
وعلى هذا الأساس، يشير ربابورت إلى أنه «للوهلة الأولى، يفترض أن يكون السوريون راضين من أن الولايات المتحدة هاجمت العناصر المنتمية للمجموعات المتطرفة، لكن الإهانة التي تعرض لها السوريون من خلال المس المتكرر بسيادتهم، أكبر من أن تحتمل».
وفي السياق، أشار محلّل الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل اليوم»، يوآب ليمور، إلى أن «الأميركيين سئموا من المشكلة السورية، فقرروا أنه إذا كان السوريون لا يفهمون باللغة الإنكليزية، فسينتقلون للحديث معهم باللغة الشرق أوسطية المحكية». لكن ليمور شكك في «إمكان أن يستوعب السوريون الرسالة هذه المرة أيضاً».