وائل عبد الفتاح«ما تصدقهمش»، عنوان مؤتمر موازٍ للمؤتمر العام للحزب الوطني الحاكم في مصر. المؤتمر افتراضي على موقع «الفيس بوك» الشهير وتنظمة مجموعة شباب «٦ أبريل»، التي نظمت من قبل إضراباً في التاريخ نفسه. المؤتمر يعلن دخول مجموعة الشباب على خط مختلف قليلاً عن مستوى الاحتجاج. أقرب إلى الكشف والفضح، أو كما قال أحد ناشطي المجموعة «هدفنا توعية الناس ليعرفوا حقيقة الإنجازات الوهمية التي سيعلنها الحزب في مؤتمره العام».
المؤتمر هو التاسع، ويقام في ٤ تشرين الثاني تحت شعار «فكر جديد... إقامة دولة تخطو نحو المستقبل». الخبثاء قالوا إن كلمة «المستقبل» تشير إلى مجموعة جمال مبارك، الذي يرأس جماعة أهلية اسمها «جيل المستقبل»، هي رأس الحربة في معركته «غير المعلنة» للوصول إلى مقعد الرئاسة خلفاً لأبيه. وهو ما أشار إلى أن المؤتمر سيشهد تكريساً جديداً للابن في إطار عملية انتقال سريّة للسلطة. لكن هناك من ذكّر بأن هذا قيل عن المؤتمر السابق ولم يحدث.
وكنوع من الرد غير المباشر على هذه التكهنات، تتحول الأيام السابقة للمؤتمر إلى موسم لتصريحات الأمين العام للحزب، صفوت الشريف، الذي قال إن أهم ما في المؤتمر التاسع هو «كلمة الرئيس» ونفى وجود «صراع أجنحة». وأعلن أن عضوية الحزب وصلت إلى الرقم ٣ ملايين.
الرقم ليس خطيراً بالمقارنة مع رقم آخر أعلنه البابا شنودة، الذي قال إن عدد الأقباط في مصر 12 مليون نسمة. رقم يتجاوز كل التقديرات السابقة، التي دارت بين 4 أو 7 والمتطرف قال 10 ملايين.
لكن البابا يعتمد في رقمه على سجلات الكنيسة، حيث يسجل «كل كاهن في كنيسته عدد كل أسرة قبطية تابعة له، وأسماء رب الأسرة والزوجة والأبناء، وهل يذهبون إلى الكنيسة أم لا وهل يواظبون على الصلاة، وهل يحضرون مدارس الأحد». هكذا يعرف البابا «شعبه» جيداً، بعيداً عن السجلات الرسمية.
الرقم أفزع مسلمين سجلوا على الموقع، الذي نشر نص كلام شنودة، انزعاجهم وسخريتهم ولم يخفوا مزاجاً متعصباً يرى الرقم «مؤامرة» لتصغير حجم المسلمين في مصر.
وبدت الحقيقة مثل بحيرة المازوت، التي عامت عليها مدينة بني سويف (جنوب القاهرة) أول من أمس، عندما خرج قطار شحن عن القضبان واصطدم بالرصيف. لم يحدث انفجار، لكنه اقترب. وهو ما يحدث في صراع الكذب والحقيقة الذي تعيشه مصر على هامش السجال السياسي الحاد والعنيف.
الحقائق تكاد تفجر الوضع لكنه لا ينفجر، بل يتحول أحياناً إلى سخرية كاملة الأوصاف، كما حدث حينما حاولت وزارة البيئة حل أزمة السحابة السوداء عبر رسائل قصيرة على الخلوي نصها كالتالي: «حرق القش بيأذي بلدنا.. مع تحيات وزارة البيئة»، و«للإبلاغ عن حرق قش الأرز يرجى الاتصال بـ١٩٨٠٨»، و«الإصرار على حرق قش الأرز يدمر البيئة ويؤذي صحة الجميع» و«وزارة البيئة تمد يدها وتقول إن إعادة استخدام قش الأرز بيفيد المزارع والبلد».
الرسائل وصلت إلى مليوني مشترك في ست محافظات مشهورة بحرق قش الأرز، لكن معظم المشتركين ليس لهم علاقة بالحرق ولا السحابة. والبعض تعامل مع الرسائل على أنها مسابقة هاتفية.
الرسائل دليل عجز الوزارة عن توقيف السحابة التي تغطي مصر في هذا التوقيت من عشرة أعوام، ولم يعلن عن سببها صراحة حتى تحولت إلى خرافة. الوزارة تلمح إلى أن السبب هو طقس عند الفلاحين يحرقون فيه قش الأرز بدلاً من استخدامه مرة أخرى.
لا أحد يعرف لماذا يحرقون ولا لماذا لا يسمع الفلاحون نصيحة الوزارة؟ سر غريب والأغرب مقاومته بهذه الطريقة الساذجة.
السذاجة نفسها استخدمها وزير سابق لمحاولة الإفلات من المساءلة القضائية حين أرسل إلى المحكمة صورة عن وسام منحه له الرئيس حسني مبارك بعد خروجه من المنصب. الوزير هو محمد إبراهيم سليمان، وزير الإسكان السابق، الذي أثار جدلاً خلال السنوات الطويلة لتوليه المنصب وعُدّ مسؤولاً عن كوارث ضخمة في بيع الأراضي وإنشاء الطرق.
سليمان مطالب الآن بتفسير بعض الأرقام التي أثارت الرأي العام. الأرقام تذكر أن عائلته تملك ٩ سيارات فاخرة و٣ فيلات في منتجع مارينا على الساحل الشمالي و٣ قطع أرض في مناطق مميزة في مصر الجديدة.
الوزير أرسل صورة من وسام الرئيس ليقول إن الرئيس أشاد بدوره، لكنه لا يعرف أنه قد يكون ضحية مقبلة لغسل سمعة النظام. وهو صيد ثمين لكنه خطر، إذ يملك مخزن أسرار كبرى وقوائم بأرقام مهولة استفاد منها الجميع في فورة بيع أراضي الدولة. الملف الذي من أجله وضع سليمان في قائمة الصمت الإجباري.
لكن هل يصمت إذا لم تتم حمايته في المحكمة؟ أم إنه سيصمت ويصمت مقابل مزيد من الحماية؟ الصراع هنا ليس بين الكذب والكشف، بل بشأن محاربة الخرس العمومي. الحقيقة تحتاج إلى قوة وحراس، والخرس تفرضه سلطة خالدة لا مجال للعب خارجها.