القاهرة ــ خالد محمود رمضانساهمت رسالة من مواطن ليبي، انتقد فيها جهاز استخبارات بلاده، في كشف هوية الرجل الحقيقي في ليبيا، رئيس الجهاز موسى كوسا، الذي أدار انطلاقة طرابلس نحو العالم الخارجي مجدداً.
وفي سابقة من نوعها، خرج جهاز الاستخبارات الليبي المعروف باسم «جهاز الأمن الخارجي»، عن صمته، إذ اضطر للمرة الأولى في تاريخه إلى إصدار بيان صحافي يردّ فيه على اتهامات عنيفة وجّهها الليبي سالم التاجوري للجهاز بالفساد والربح غير القانوني.
التاجوري نشر على موقع «الشفافية» الإلكتروني المعارض، مقالاً روى فيه وقائع محددة عن حالات فساد وتقاضي رشى يقوم بها ضباط وعناصر من جهاز الاستخبارات الليبي لتسيير أمور دخول الرعايا الأجانب وأصحاب الأعمال إلى البلاد، في مقابل تسعيرات محددة.
إلا أن جهاز الاستخبارات الليبية رأى، في بيان، أن «هذه الادعاءات بعيدة عن واقع ليبيا، بل تمنى على مواطنه أن يقدم ما لديه من أدلة ضد الذين ذكرهم، تكون مبنية على قرائن أو حتى شكوك، ليتم فتح تحقيق في هذه الممارسات وتقديمهم إلى القضاء الليبي».
وبعدما حذّر من استخدام شبكة المعلومات الدولية لإعادة نشر مقالات صحافية لا تستند إلى أدلّة، وتتخيل أسماء وهميّة تعمل في جهاز الأمن الخارجي، شدد البيان على أن «هذا العمل بعيد كل البعد عن الشفافية، وهدد بملاحقته أمام الجهات القضائية». وأضاف البيان أن «العاملين (في الاستخبارات) هم جنود في خدمة الوطن ويقومون بمهماتهم النبيلة بكل شرف وإخلاص»، مؤكداً أن «القانون فوق الجميع».
بيانٌ تجاهلته وسائل الإعلام الرسمية لأسباب غير واضحة، إلا أن هذه القضية التي استنفرت جهاز الاستخبارات الليبي، تطرح تساؤلات عن الرجل الغامض في ليبيا، الذي أدى دوراً بارزاً ومن خلف الستار، في نجاح المفاوضات التي جرت على مدى السنوات الماضية لتطبيع العلاقات بين بلاده وإدارة الرئيس الأميركي جورج بوش من جهة، إضافة إلى العلاقات الليبية ـــ الغربية من جهة أخرى.
ويتحدث دبلوماسيون عرب وغربيون في طرابلس عن تصاعد الدور السياسي للجنرال موسى كوسا، رئيس جهاز الاستخبارات الليبي، الذي أصبح خلال العامين الماضيين أهم رجال الخيمة، أي أنه المسؤول الأكثر قرباً من الزعيم الليبي معمر القذافي، والذي يسمح له بدخول خيمته البدوية في أي وقت.
مصدر عربي على صلة بالشأن الليبي، يرى أن «كوسا أصبح الرجل الثاني في الخيمة، وبات يؤدي دوراً أساسياً في رسم وتحديد السياسة الخارجية لليبيا، وخصوصاً أنه يقود، بتعليمات مباشرة من القذافي، الاتجاه الرسمي لتعزيز وتنشيط العلاقات الليبية الغربية والأميركية».
اسم كوسا كان القاسم المشترك في تقارير إسرائيلية وغربية ادّعت وجود علاقات واتصالات سرية بين ليبيا وإسرائيل، وهو الأمر الذي نفته السلطات الليبية على طول الخط.
وقال دبلوماسي، رفض الكشف عن اسمه، إن «نجاح الاجتماع الذي عقده (كوسا) خلال ربيع عام 2003 مع المدير السابق لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية جورج تينت، وكبار المسؤولين في جهاز الاستخبارات البريطاني إم.آي 6، قد ترتّب عليه إعلان ليبيا قبل نهاية العام نفسه، التخلي طواعية عن برامج إنتاج مختلف أسلحة الدمار الشامل في مقابل تنشيط وتحسين العلاقات الليبية مع واشنطن ولندن». وكشف النقاب عن أن «هذا النجاح قد ساهم في جعل كوسا يتمتع بحظوة ملحوظة لدى القذافي»، وخصوصاً أن «العمل الاستخباراتي كان هو رأس الحربة في عودة ليبيا مجدداً إلى الحظيرة الدولية بعد سنوات الحصار والعزلة الدبلوماسية». وأشار المصدر نفسه إلى أن «كوسا أدار أيضاً المفاوضات السرية بين ليبيا وبلغاريا وبريطانيا في محاولة للتوصل إلى تسوية سياسية مقبولة لإنهاء قضية الفريق الطبي البلغاري المتهم بحقن مئات من أطفال مستشفى بنغازي بدماء ملوّثة بمرض الإيدز».
وتقول المصادر إن «رئيس جهاز الاستخبارات الليبية قد تمكّن من تعزيز نفوذه بعدما تخلّص من بعض منافسيه، مع أن الحكومة في عهد رئيسها السابق شكري غانم قد نقلت تبعيّة جهاز الأمن الخارجي الذي يقوده كوسا إلى وزارة الخارجية الليبية».
كذلك ورد اسم كوسا في الكتاب الأبيض الذي أصدرته السلطات الأميركية في أعقاب صدور الاتهامات بخصوص قضية لوكربي عام 1993، وهو كان أحد المطلوبين للتحقيق لدى المحقق الفرنسي في قضية تفجير الطائرة الفرنسية فوق النيجر عام 1989.
ولسنوات طويلة ظلّ جهاز الأمن الخارجي الليبي محل ارتياب من واشنطن وحلفائها من العواصم الغربية. غير أن هذه السياسة على ما يبدو في طريقها إلى التغير بعد سلسلة من الإجراءات التي اتخذتها السلطات الليبية، وخاصة بعدما سلّمت الولايات المتحدة معلومات كثيرة وحيوية عن علاقتها بعشرات المنظمات والجماعات التي تتهمها الولايات المتحدة بتهديد مصالحها ومصالح حلفائها.