منذ مؤتمر جدة المنعقد في شهر أيلول الماضي، الذي شكّل فعلياً نشأة «التحالف الدولي» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بقيادة الولايات المتحدة، كانت التطورات تظهر ديناميكية عمله وتبرز أهدافه. أول ما تبيّن من ذلك اختلاف أساليب العمل بين سوريا والعراق، حتى وصل الأمر قبل أيام ليعلن منسق «التحالف»، الجنرال الأميركي المتقاعد جو آلن، أنّ حملة برية ستبدأ «قريباً» في العراق بقيادة عراقية «وبإسناد من دول التحالف» ضد تنظيم «الدولة الإسلامية»، لافتاً إلى أن «قوات التحالف تجهز 12 لواءً عراقياً تدريباً وتسليحاً تمهيداً للحملة البرية».
الجديد في كلام آلن، الذي جاء في حوار مع وكالة الأنباء الأردنية الرسمية «بترا»، هو تحديده وقت الهجوم بالقريب، فيما الحديث عن التدريبات والتحضير لهجوم بري معروف منذ بداية حملة «تحرير» المناطق نهاية الصيف الماضي. وقد تحدثت الصحف الأميركية مطولاً عن تلك الخطط وعن آليات التعاون مع العشائر العراقية، إضافة إلى دفع واشنطن الحكومة العراقية إلى اعتماد مشاريع قوانين (الحرس الوطني مثلاً) وصيغ حكم تتناسب وتوسيع طيف القوى المشاركة في عمليات «التحرير»، تحديداً في محافظة الأنبار.
ومنذ تمدد تنظيم «الدولة» في الشمال العراقي، شكّل تحرير مدينة الموصل عقدة أمام الحكومة العراقية لناحية تحديد القوات التي ستشارك فيه، ولناحية الموارد البشرية والعسكرية التي تتطلبها عملية كهذه. وتقول مصادر سياسية عراقية إنّ «الحكومة الحالية موافقة، عموماً، على صيغة تقضي بأن تحرير مناطق الوسط والجنوب المحيطة ببغداد هي من مهمتها ومهمة الحشد الشعبي، فيما تحرير المناطق الغربية يقع على عاتق القوى المحلية، بمساندة من الأميركيين».
ترى المصادر
العراقية أنّ «الهجوم البري» لا ينفصل عن العودة الأميركية
إلى العراق

وتعتبر المصادر العراقية أنّ «الهجوم البري الذي يُحكى عنه لا ينفصل عن واقع العودة العسكرية الأميركية إلى العراق بعد خروجها منه عام 2011»، لافتة إلى أنّ «ما يحكى اليوم عن وجود نحو 3500 مستشار أميركي في الميدان لمساندة القوات العراقية غير دقيق، بل إنّ الأرقام الفعلية قد تصل، منذ أسابيع، إلى نحو عشرة آلاف عنصر، غالبيتهم عناصر مقاتلون».
ويتقاطع حديث المصادر العراقية مع واقع أن القوات الأميركية كانت تبحث منذ عام 2011 عن سبل للعودة العسكرية إلى المنطقة، فيما تشير تسريبات رسمية اليوم إلى أنّ واشنطن تهدف راهناً إلى «إنشاء خمس قواعد عسكرية في العراق، بينها واحدة في بغداد (موجودة بالفعل) وأخرى اربيل، وواحدة في الأنبار»، فيما تنفي المصادر علمها بمكان القاعدتين الأخريين.
وتأكيداً لذلك، قال جون آلن في حديثه: «أنشأنا أربعة معسكرات في الأنبار، والتاجي، وبسمايا، وأربيل، تقدم فيها قوات التحالف تدريباً للقوات العراقية التي ستصبح جزءاً من القوات التي تقوم بالهجوم المضاد»، مشيراً إلى أن «نحن الآن نقوم بدعم العشائر العراقية، كنت هناك، ورأيت شباباً من العراقيين وقوات أميركية خاصة يدربون أبناء العشائر الذين بدأوا يعملون بفاعلية ضد داعش كما كانوا يفعلون ضد القاعدة خاصة في الأنبار».
ويترافق الحديث الأميركي مع إعلان مسؤولين أميركيين أن البيت الأبيض سيطلب من الكونغرس تفويضاً جديداً باستخدام القوة ضد تنظيم «الدولة الإسلامية» بحلول اليوم الأربعاء، الأمر الذي يمهد الطريق أمام المشرعين للتصويت لأول مرة على الحملة المستمرة بالفعل منذ ستة أشهر. وسيكون المقترح الذي سترسله الإدارة الأميركية إلى المشرعين أول مرة تطلب فيها الإدارة تفويضاً رسمياً لاستخدام القوة العسكرية من أجل قتال تنظيم «الدولة الإسلامية».
عموماً، إضافة إلى مجمل هذه المعطيات، فإن سؤالاً رئيسياً من المهم طرحه، يتمحور حول توقيت إعلان آلن باقتراب الهجوم البري في العراق. قد يكون لذلك سبب مباشر، وهو ربما اقتراب جاهزية القوات التي دربها الأميركيون، لكن لا ينفصل الإعلان عن تغيرات في الوقائع المحيطة بالعراق وسوريا. أهم تلك المتغيرات تكمن في تحوّل الأردن إلى ما يشبه قاعدة عسكرية متقدمة تابعة لقوات «التحالف الدولي».
دفعت، بشكل لافت، عملية قتل الطيار معاذ الكساسبة، حرقاً، الأردن إلى اكتساب دور عسكري، وإعلامي، أكبر ضمن الحرب المزعومة ضد التنظيم «الدول الإسلامية». في الأيام الأخيرة كثّفت عمان بشكل كبير طلعاتها الجوية ضد التنظيم، فيما عادت بالتزامن دولة الإمارات عن تعليق المشاركة في ضربات «التحالف» لتنشر سرباً من الـ«اف 16» في الأردن «قامت صباح اليوم (أمس) بضربات جوية استهدفت مواقع (لـ)تنظيم داعش».
كذلك، فقد جاء نشر المقاتلات الإماراتية بعدما أعلن مسؤولون فرنسيون في شهر تشرين الثاني الماضي إرسال ست مقاتلات من طراز «ميراج» إلى الأردن. ولا يتوقف دور الأردن عند حد التحوّل إلى ما يشبه قاعدة عسكرية متقدمة، لكن من المعروف أيضاً دور غرفة العمليات المشتركة في عمان التي تدير عمليات الجماعات المسلحة في جنوب سوريا تحديداً. واستطراداً، فإن عمان تحوّلت أيضاً في فترة معينة إلى قبلة المعارضين العراقيين والسوريين، وتحديداً «المكونات العشائرية»، في تحدٍّ واضح لنفوذ الحكومتين العراقية والسورية.
ويكتسب الأردن واقعاً جغرافياً مهماً لجهة قربه من الأراضي السورية والعراقية ولكونه يمثّل أحد أضلاع المثلث الحدودي المشترك مع محافظة الانبار العراقية ومع الجنوب السوري. وفي حديث صحافي قبل أيام، أكد وزير الإعلام الأردني، محمد المومني، أن بلاده «تعتبر جزءاً أساسياً وفاعلاً بالتحالف الدولي، والحرب ضد التنظيم الإرهابي هي حربنا». وحول شكل المشاركة الأردنية فيها، قال إن «الحديث عن جهد عسكري وأمني، والحديث أيضاً عن جهد استخباراتي ممتد».
انطلاقاً من تلك المعطيات، قد يمكن فهم دلالات التصريحات السورية الأخيرة، التي جاءت على لسان الرئيس بشار الأسد، ووزير الخارجية وليد المعلم، الذي قال في حديث متلفز: «داعش لا ينتهى بالغارات الجوية، بل بحرب برية مدعومة من الجو، وهذا ما يقوم به الجيش العراقي حالياً والجيش السوري، لكن بفارق بسيط هو أن الجيش العراقي يحارب داعش فقط، أما الجيش السوري فيحارب أكثر من 70 تنظيماً إرهابياً مسلحاً بالإضافة إلى داعش والنصرة»، مضيفاً في رسالة بدت واضحة الأهداف: «إننا لا نحتاج من أحد إلى أن يأتي بقواته البرية لمحاربة داعش لسببين: الاول هو أنّ لدينا جيشاً عربياً سورياً ودفاعاً شعبياً يقومان بهذه المهمة، وثانياً لدينا شعب عربي سوري صامد وما نطلبه من المجتمع الدولى أن يقوم فعلاً بتجفيف منابع الارهاب وإلزام الأردن وتركيا بضبط حدودهما، وحينها سيكون الجيش العربي السوري قادراً على هزيمة داعش والنصرة بسرعة».