تحاول النروج، في سوريا، تكرار تجربتها في المفاوضات الإسرائيلية - الفلسطينية التي انتهت إلى اتفاق أوسلو الشهير. يومها، نسّق النروجيون تلك المفاوضات على مدى خمس سنوات، تحت ستار من الكتمان، حتى إعلان الاتفاق الذي مهّد لإقامة سلطة في الضفة الغربية وغزة. وعلى النسق ذاته، تسير الدولة الإسكندنافية في جهودها للوصول إلى حلّ سياسي يُنهي النزاع السّوري المستمر منذ 4 سنوات. وبعد نشر تقرير سابق عن «لقاءات سرية عُقدت في بيروت، برعاية رسمية نروجية، ضمت شخصيات سورية موالية وأخرى معارضة» («الأخبار»، 5 شباط 2015)، حصلت «الأخبار» على تفاصيل جديدة عن فكرة المشروع ومصدرها والخطوات التي اتخذت طوال الفترة الماضية.
نشأت الفكرة داخل أروقة معهد في بريطانيا، يضمّ قسماً خاصاً بالحروب وحقوق الإنسان، بعد أن طرح رئيس القسم ونائبه رؤية لمستقبل سوريا بعد الحرب. أحد المشاركين في اللقاءات، تحدّث لـ»الأخبار» عن «جهود لطرح مشروع كتابة دستور لسوريا يكون نموذجاً لدساتير المنطقة، بدأها نائب رئيس القسم المعروف بارتباطه الوثيق بالأمم المتحدة، منذ ثلاث سنوات، بالتعاون مع الأمين العام السابق للمنظمة الدولية كوفي أنان الذي كان مبعوثاً أممياً ــ عربياً الى سوريا». وبعد تسويق الفكرة داخل الأمم المتحدة، عبر المكتب الذي يديره عنان، سارعت وزارة الخارجية النروجية إلى تبنّي المشروع، وقسّمته إلى 5 حلقات نقاش يفصل بين كل منها ثلاثة أو أربعة أشهر، أنجز منها 4 حتى الآن، آخرها في العاصمة الدنماركية كوبنهاغن». ويقول المصدر إن «ما أشارت إليه الأخبار في تقريرها، كان من ضمن التحضيرات للحلقة الأخيرة التي ستعقد في أوسلو»، مشيراً إلى «لقاء جديد سيُعقد في بيروت منتصف الشهر الجاري في أوتيل الكومودور».
نشأت الفكرة داخل أروقة معهد في بريطانيا، يضمّ قسماً خاصاً بالحروب

ولفت المصدر إلى أن «المهمّة التي أوكلت إلى القس رياض جرجور هي اختيار شخصيات تمثّل شرائح المجتمع السوري، وتكون قادرة على أداء دور في الحياة السياسية، بغرض التحاور المباشر وترفيع مستوى الحوار في ما بعد بشكل يحقق التوقعات المنتظرة.
ومع أن النروج تفضّل الحل السياسي للنزاع القائم في سوريا، لفت المصدر إلى أن الجلسات التي عقدتها المجموعة مع وزير الخارجية النروجي عكست وجهتي نظر نروجيتين. الأولى، شبه رسمية، ومفادها أن أوسلو، لا تستطيع العمل في منأى عن قرار حلف شمال الأطلسي والإدارة الأميركية الذي كان «يعتبر منذ سنوات أن لا مناص من سقوط النظام السوري، وكان يُعد لخطة ضربه عبر إنهاك الجيش السوري وتفتيته، قبل أن يصطدم بالتماسك السوري ــ الإيراني ــ الروسي، ويكتشف أن تقديراته كانت خاطئة». فيما «وجهة النظر الثانية، التي تدعم عملنا، تمثلها شخصيات فاعلة في وزارة الخارجية النروجية، تؤمن بأن الحل السياسي هو الخلاص، وإنجاز مشروعه يجب أن يحصل حتى لو انهارت سوريا، لأنه في النهاية سيكون مرجعاً يعود إليه الجميع لإنهاء الحرب وفرض الاستقرار». وأكد أصحاب القرار في هذا الفريق أن «عنان يعمل مع قوى فاعلة داخل مجلس الأمن لفرض هذا المشروع»، ما يعني أن «هناك ضوءاً أخضر دولياً، وأميركياً تحديداً، أعطي له».
وفيما امتنع المصدر عن كشف أسماء المشاركين في كتابة مسودة الدستور ومبادئها، رفض تصنيفهم على أنهم موالون للنظام السوري أو معارضون له، قائلاً: «إننا نحب سوريا ونمثل الفكر المعارض الذي يطالب بالإصلاح، ونحظى في الوقت نفسه برضى النظام حيث هناك شخصيات رفيعة المستوى تتابع عملنا». وكشف عن «شخصيتين معارضتين تقيمان في الخارج تمثلان الخط الإسلامي المتطرف تشاركان في عمل المجموعة، مع ذلك لم تعترض هاتان الشخصيتان على ما توصلنا إليه حتى الآن، وهو عبارة عن مجموعة من المبادئ التي يقوم عليها دستور متطور في سوريا لا تقاسم مذهبياً فيه، لكنه يحفظ حقوق الأقليات، ولا يتناول الدين إلا من باب الإرث، ويركّز على رفض أي قانون فيه خرق للوفاق الوطني».
حتى الآن لا يُمكن الحكم على جهد هذه المجموعة المدعومة من وزارة الخارجية النروجية، لكن يُمكن القول إن أي تقويم لعملها يجب أن يأخذ في الاعتبار نتائج اتفاقية أوسلو بعد عقدين من الزمن، فضلاً عن السؤال الذي يطرح نفسه: إذا فشل الأميركيون والروس في التوصل إلى اتفاق لحل الأزمة السورية، فكيف ستنجح مجموعة بعيدة عن دائرة القرار في فرض ما توصلت إليه؟