خرج حوار القاهرة الفلسطيني من صيغة المجهول إلى المعلوم، ليشير إلى أن مصر ماضية في مسعاها رغم العقبات التي تهدّد جهود المصالحة من أساسها، وتنذر بعودة الأمور إلى المربّع الأول
حسام كنفاني
مصر وزّعت دعوات الحوار الفلسطيني لتفصح عن المدى الزمني للحوار المرتقب، من التاسع إلى الحادي عشر من تشرين الثاني المقبل، غير أنها أبقت المكان طيّ الكتمان. إذ إن نص الدعوة، الذي اطّلعت عليه «الأخبار»، لا يتضمن مكان التئام المتحاورين ولا تدابير إقاماتهم، ما يذكّر بجلسات حواريّة سابقة استضافتها القاهرة في عامي 2003 و2005، كان مكان الاجتماع فيها عبارة عن معسكر مغلق على من فيه، تارة في أحد المراكز الأمنية، المشابهة لفنادق الخمس نجوم، وطوراً في أحد الفنادق، الذي تحوّل أيضاً إلى معسكر فلسطيني بحت.
ورغم أن الدعوات موجهة إلى قيادات الصف الأوّل في القوى الفلسطينيّة، إلا أن شكوكاً كبيرة تحوم حول إمكان مشاركة هذه القيادات، في ظل غيوم الفشل التي تحوم حول الاجتماع. فحضور الرئيس الفلسطيني، محمود عبّاس، يتأرجح بين نفي وتأكيد. إلا أن مصادر مطلعة رجحت غيابه، ولا سيما أن اجتماعاً للرباعيّة الدولية وأطراف مفاوضات السلام سيعقد في شرم الشيخ يوم افتتاح الحوار الفلسطيني.
المصادر نفسها تؤكّد أن رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» خالد مشعل، والأمين العام لحركة «الجهاد» رمضان عبد الله شلّح، والأمين العام للجبهة الديموقراطيّة لتحرير فلسطين نايف حواتمة سيتغيّبون لاعتبارات بروتوكوليّة، نظراً إلى غياب عبّاس، ولقناعتهم بأن البيان، في حال إقراره في جلسة الحوار، لن يكون عبارة عن مصالحة، بل مجرّد تسوية، من غير المؤكّد إتمامها، في ظل إصرار «حماس» على اعتبار الورقة المصرية مقترحاً للنقاش، لا مشروعاً للتطبيق. وبناءً عليه، فإن لا شيء إلى الآن يوحي بأن مصالحة في طريقها إلى المشهد السياسي الفلسطيني. بل على العكس تماماً، فقد شهدت الأيام القليلة الماضية مجموعة من المواقف التصعيدية وإلقاء التهم من الطرفين، وصلت إلى حد تلويح الحكومة المقالة التابعة لـ«حماس» بتكرار الحسم العسكري في الضفة الغربية، على خلفية الاعتقالات التي تشنها الأجهزة الأمنية الفلسطينية وتطال عناصر من الحركة الإسلاميّة.
مشهد التراشق الإعلامي، يترافق مع تمهيد المسؤولين في السلطة و«حماس» لاحتمال فشل حوار القاهرة، ولا سيما مع رفع سقف الشروط التفاوضية، وخصوصاً من الحركة الإسلامية، لقطع الطريق على اتهامها بإفشال الحوار.
التقديرات الفلسطينية تشير إلى سيناريو لمسار المصالحة. إلا أنه سيناريو لن يكتمل. فطاولة الحوار ستلتئم في مصر لبحث إمكان إجراء تعديلات على الورقة المصرية، وهي مهمة لن تكون سهلة. التعديلات في حال إقرارها لن تكون جوهرية، ولن تمس لب الورقة المصرية، ولا سيما أن «حماس» تفتقر إلى الإجماع داخل قاعة الاجتماع لإحراز تعديل لمصلحتها.
إقرار الورقة المصرية بتعديلاتها البسيطة سيتوّج الاجتماع الحواري، من دون أي يعني ذلك مصالحة فلسطينية، ولا سيما أن القاهرة لن تكون إلا محطة في مسار طويل للحوار، وأن ما يمكن تسميته «تسوية القاهرة» ستحيل ملفات الخلاف إلى اللجان الخمس، إذ يبدو الاتفاق مستحيلاً في ظل نهجين ورؤيتين «للمصالحة» الفلسطينية لا يبدو أنهما في طريقهما إلى الالتقاء.
الحكومة، الأجهزة الأمنية، الانتخابات، منظمة التحرير والمصالحات. خمسة ملفات في عهدة اللجان، في كل منها ما يكفي من الألغام لتفجير أي اتفاق قد يعقد، وخصوصاً أن «حماس» تشترط «اتفاقاً رزمة واحدة»، أي أن يكون على مختلف الملفات وإلا فلا اتفاق. شرطٌ يبدو مستحيلاً في ظل التعقيدات التي تعتري كلاً من الملفات المطروحة للنقاش.
وإذا تم تجاوز عقبة تأليف الحكومة وبرنامجها، فإن توسيع إصلاح الأجهزة الأمنية إلى الضفة الغربية، كما تريد «حماس»، سيصطدم بشروط إسرائيلية وأميركية ترى في الضفة ساحة مشتركة للعمليات الأمنية. التغاضي عن هذه النقطة سينقل الخلاف إلى الانتخابات، التي ترى فيها «حماس» فرصة للمساومة على نهاية ولاية عبّاس. والاتفاق أيضاً في هذا الملف سيضع الجميع أمام الملف الأكثر تعقيداً، ألا وهو إصلاح منظمة التحرير وتوسيعها.
رؤيتان تتنازعان هذا الملف، لا يبدو أن هناك فرصة للتوفيق بينهما. «فتح» تعلن عدم ممانعتها ضمّ «حماس» وغيرها، شرط الاعتراف بميثاق المنظمة التي يتضمن اعترافاً بإسرائيل والاتفاقات الموقّعة. في المقابل، تريد «حماس» تغيير الميثاق وإصلاح مؤسسات المنظمة، ما يعني تشكيل منظمة جديدة تتوافق مع منهج الحركة الإسلاميّة.
وعليه، لا شك أن «اتفاق الرزمة الواحدة»، حسبما تطالب «حماس»، هو وصفة مثاليّة للفشل.