بات واضحا أن إيهود أولمرت يسعى إلى تتويج ولايته بإنجاز ما يطمح إلى دخول التاريخ عبره، إلا أنه من الواضح أيضاً أن دون تحقيق أولمرت لغايته عقبات عديدة، فلسطينية وداخلية، لا يبدو أن تذليلها متاح خلال الفترة الباقية له في الحكم
هآرتس ــ الوف بن
عشية الاستقالة المتوقعة، يبذل رئيس الوزراء، إيهود أولمرت، جهداً أخيراً لعرض «اتفاق رف» مع رئيس السلطة، محمود عباس. ليس لدى أولمرت الوقت لإدارة مفاوضات مفصلة، وبرأيه لا حاجة لها أيضاً. وقد عرض على عباس اقتراحاً لاتفاق مبادئ يكون الأساس لإقامة دولة فلسطينية مستقبلية. الآن الكرة في المقاطعة في رام الله.
أولمرت يدير معركة على جبهتين: أمام عباس الذي يتردد في قبول العرض، وأمام الوزيرين تسيبي لفني وإيهود باراك، اللذين يحذران من عملية خاطفة. ليس لرئيس الوزراء ما يخسره. إذا ما فشل، كما هو متوقع، يمكنه أن يدعي أنه حاول صنع السلام حتى آخر لحظة، وأنه يترك خلفه صيغة معقولة للتسوية. سيحتجون في اليسار على إضاعة فرصة تاريخية أخرى بسبب السياسة الداخلية، وسيرحبون في اليمين بخروج تقسيم البلاد مرة أخرى من جدول الأعمال.
ولكن إذا ما فاجأ أولمرت ونجح، ووافق عباس على عرضه، سيقف منتقدوه أمام مشكلة: الاتفاق بينهما سيتمتع بإسناد وتأييد من الإدارة الأميركية، ووزيرا الخارجية والدفاع لن يرغبا في الوقوف ضد جورج بوش وكوندوليزا رايس فيبدوا رافضين للسلام. وزراء العمل، ومعظم وزراء «كديما» سيضطرون إلى التصويت إلى جانب الاتفاق في الحكومة وفي الكنيست، بل وتسويقه للجمهور أيضاً.
هذا هو السبب الذي يجعل باراك وليفني لا يحبان مناورة أولمرت. إذا فشل، فإنهما سيكونان شريكين في الفشل. وإذا نجح، فسيذهب إلى البيت بطلاً قومياً جلب السلام، أما هما فسيبقيان مع تظاهرات اليمين، مع تفتت الائتلاف، مع حملة انتخابات قاسية على بنيامين نتنياهو، الذي سيقدمهما كمتنازلين اعطيا القدس لـ«حماس» وجعلا تل أبيب سديروت المقبلة. من عرضت نفسها كـ«يمينية أكثر من نتنياهو»، ستفقد صدقيتها إذا ما وقعت على التسوية التي يعرضها أولمرت وقوامها الانسحاب من معظم مناطق الضفة الغربية، واستيعاب آلاف اللاجئين في إسرائيل وإشراك الفاتيكان والملك المغربي في المفاوضات على القدس. سيكون من الصعب عليها أن تنتصر في مثل هذه الظروف في الانتخابات التمهيدية على شاؤول موفاز الذي لا بد سيعارض اتفاق أولمرت.
ليفني تقول إنه لا حاجة للإسراع، وبدل تحقيق تسوية شبه مخبوزة من الأفضل مواصلة المناقشات المفصلة والتركيز الآن على بناء الآلية لتواصل المفاوضات في السنة المقبلة. باراك يقول إن الفجوات في المواقف هائلة ولا تسمح بتسوية. الفلسطينيون يطالبون بإخلاء مستوطنات أرييل ومعاليه أدوميم، وأن يقيموا لأنفسهم قوة عسكرية وهم لا يتخلون عن حق العودة. وفي محيط وزير الدفاع يحذرون من أن رفع توقعات الفلسطينيين بتسوية قريبة سيدفعهم فقط إلى اليأس، وإلى أذرع «حماس».
أولمرت يرد على هذه الادعاءات بأن باراك وليفني كانا معه في مؤتمر أنابوليس، حين تحدثوا عن اتفاق حتى نهاية العام الجاري. عرضه يستند إلى مواقف عرضها باراك في 2000، وليس فيها الكثير من الجديد؛ وحتى لو استمرت واستمرت المفاوضات، فإنها ستصل في النهاية إلى المكان نفسه. برأيه، من المجدي إغلاق الموضوع ما دام بوش في الحكم وعدم إضاعة الوقت إلى أن يدرس خليفته الملف. من الأفضل لإسرائيل أن تحقق اتفاقاً مع محمود عباس الذي قد يختفي عن الساحة في كانون الثاني، بدل فقدانه والبقاء مع «حماس».
وفضلاً عن ذلك، يقول أولمرت، لا يوجد ما يدعو إلى القلق. تطبيق الاتفاق سيؤجل على أي حال لعشر سنوات، ولا شيء سيتغير في هذه الأثناء على الأرض، وإسرائيل ستتمتع بشرعية في العالم وبدعم لمطالبها الأمنية، حيال الدعوات المتعاظمة لتسوية هويتها اليهودية وإقامة دولة ثنائية القومية. «العالم» سيطلب من الفلسطينيين سلوكاً أفضل شرطاً لتحقيق الاتفاق.
خلافاً لما يرتسم من الخلاف بينهما، فإن الفجوات بين أولمرت وليفني ليست كبيرة. وحتى وفقاً لنهج رئيس الوزراء، فإن التسوية التي يعرضها لن تكون سوى أساس لمفاوضات مفصلة تبدأ السنة المقبلة.
مع «اتفاق الرف» أو من دونه، رئيس الوزراء المقبل سيدير المحادثات مع الفلسطينيين حسب رؤيته ووفقاً للظروف الدولية التي ستنشأ بعد الانتخابات الأميركية. يمكن الافتراض بقدر كبير من اليقين أنه إذا لم تتعرض إسرائيل لضغوط غير محتملة، فإنها لن تتحرك من الضفة الغربية في السنة المقبلة أيضاً.