بغداد ــ زيد الزبيدييختلف شهر رمضان في بغداد هذه السنة عن «الرمضانات» السابقة في جوانب عدّة، أهمها أن الصائم يستقبل يومه متفائلاً وكلّه أمل في أنّه سيتمكّن من العودة إلى منزله، والجلوس إلى مائدة الإفطار مع أفراد أسرته، أو حتى مع الضيوف من عائلات المنطقة، بينما كان في السابق يبتدئ صباحه صائماً، وفي حسابه ـــــ بنسبة عالية جداً ـــــ أنّه لن يصل إلى مشوار الإفطار، أو أنّه قد يصل لكنّه سيجد عدد أفراد العائلة قد تناقص، بفعل موجة العنف الرهيبة التي استشرت في البلاد.
فرحة رمضان هذه السنة بانت مع غرّة هلاله، حيث شهدت العديد من مساجد العاصمة أداء «صلاة التراويح» التي تُقام عادة بعد صلاة العشاء، والتي كانت قد اختفت في السنوات السابقة بسبب الاضطراب الأمني، وانهيار المساجد، التي أُعيد ترميم وفتح العشرات منها كي تستقبل المصلّين.
إذاً الصلاة والصيام في بغداد هذه السنة لهما نكهتهما الخاصة؛ أبناء بغداد ذهبوا لأداء الصلاة مساءً كلٌّ في منطقته، ثم استقبلوا شهر الصيام فجراً بمعنويات عالية، غير تلك التي كانت تنتابهم في السنوات الماضية حيث رافقهم الخوف وانعدام الأمان.
وشُغل الكثيرون بالمشتريات الضرورية لتجهيز «المائدة الرمضانية». وكما درجت عليه العادة، قُلِّص الدوام الرسمي للمدارس، وأصبح حتى الساعة الثانية ظهراً، بدلاً من الثالثة. ومع الوفرة في الوقت والأمن، فإن مشتريات العائلة لن تكون مقتصرة على ما هو متوافر في المنطقة الضيقة وسط كانتونات العزل المحاطة بجدران الفصل الطائفي التي فرضت «الاكتفاء الذاتي» على العائلات ومنعتها من الانتقال إلى الجوار لشراء ما تبغيه. في رمضان هذه السنة، ستصبح أسواق المنطقة والجوار في متناول هذه العائلات، فالمناطق باتت مزدهرة تجارياً، وعادت معظم المحالّ إلى فتح أبوابها.
لكن ذلك لا يحول دون وجود بعض التناقضات؛ فداخل هذه الكانتونات، الكثير من المنازل التي لا تزال مهجورة، ويفتقد الموجودون جيرانهم الغائبين.
ويقول أبو مصطفى، الذي حوّل الطابق الأرضي من منزله إلى «سوبر ماركت» في أحد أزقة السيديّة: «كان لدي محل في قلب بغداد التجاري، الشورجة، وبسبب الوضع الأمني الرديء، أغلقته قبل سنتين واقتطعت جزءاً من بيتي حوّلته إلى محل للمواد الغذائية، إلّا أنني سرعان ما أغلقته بسبب المضايقات التي تعرّضت لها في المناطق المجاورة حيث كنت أشتري من أسواق الجملة فيها البضائع المطلوبة للمحل، أما الآن، ولمناسبة شهر رمضان، والاستقرار الأمني النسبي، فقد أعدت افتتاح المحل وطوّرته إلى سوبر ماركت، وكلّي أمل في أن تستقر الأوضاع أكثر، لتتحسن الظروف المعيشية للمواطنين، ما سينعكس مردوده علينا نحن التجار».
وتبدو «أسواق الأزقة» في بغداد عامرة بكل المستلزمات الرمضانية، ولا سيما أنّ العائلات ما عادت تستطيع تحضيرها بيتياً، جرّاء التلف الذي يمكن أن يصيب حاجاتها الغذائية البيتية الإعداد بسبب الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي.
الحركة في الأسواق لا تقتصر على البيع والشراء، فباتت ملاذاً آمناً لإجراء اللقاءات وضرب المواعيد قرب هذه المحال أو تلك.
أكثر ما يقلق العائلات في شهر رمضان هذه السنة هو ارتفاع الأسعار النسبي. لكن خالد محمود، وهو صاحب محل في «أسواق الأزقة»، يرى أنّ المسألة مبالغ فيها، لأن «الإيجارات هنا أقل بكثير من مركز العاصمة أو الشوارع العامة، كذلك فإنّ معظمها متفرعة من بيوت أصحابها». لكن هناك عقبة يتحدّث عنها خالد تتمثل «بأجرة النقل ومشقة إيصال البضاعة، ولا سيما أنّ للمنطقة منفذاً واحداً للدخول والخروج خاضعاً للسيطرة الأمنية، ما يؤخّر الدخول إليها لساعات، علماً بأنّ أصحاب المحال يجلبون البضائع يومياً، ما يتطلّب على الأقل إيجاد منفذ خاص للشاحنات التجارية».