شطح لـ«الأخبار»: إجراءات لتمويل تصحيح الأجور محمد زبيب
لا يخفي وزير المال محمد شطح شعوره بالمأزق الكبير الذي يواجهه في هذه الأيام. فهو مضطرّ للتعامل مع زيادة كبيرة في الإنفاق العام تتراوح ما بين 2500 مليار و2800 مليار ليرة (1.8 مليار دولار) سنوياً، منها حوالى 850 مليار ليرة (564 مليون دولار) لتصحيح الأجور والتعويضات في القطاع العام، وفق ما كشفه في حديث خاص لـ«الأخبار». وقال إنه يعكف حالياً على دراسة خيارات التمويل لعرضها على مجلس الوزراء، في أول جلسة سيعقدها في الأسبوع المقبل، بالتزامن مع مناقشة ملف زيادة الحد الأدنى وتصحيح الأجور في القطاعين العام والخاص، مشيراً إلى أن هذه الخيارات باتت محدودة في ضوء الأوضاع السائدة، إذ إن قدرة الحكومة على الاستدانة ليست مطلقة، كذلك فإن زيادة الأعباء الضريبية على المواطنين ليست سهلة أبداً.

نوعيّة الإجراءات

وعلى الرغم من رفض الوزير شطح الإدلاء بأي معلومات علنيّة عن الآلية التي سيقترحها لزيادة الإيرادات والمطارح الضريبية التي سيستهدفها، إلا أنه كشف أن الإجراءات المقترحة ستوفر زيادة في إيرادات الخزينة تقدّر بحوالى 400 مليار ليرة (265 مليون دولار) في السنة الأولى، تمهيداً لاستكمال برنامج باريس 3 في مرحلة لاحقة، لجهة تطبيق زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10 في المئة إلى 12 في المئة، وزيادة الرسوم على صفيحة البنزين إلى 6 آلاف ليرة في حدٍّ أدنى... وأشار إلى أن البعض اقترح عليه السير فوراً بهذا النوع من الإجراءات، ولا سيما أنها واردة في مشروع قانون موازنة عام 2007 المُحال على المجلس النيابي، إلا أنه لم يتحمّس لهذا الاتجاه الآن، مفضّلاً أن يركّز بحثه على زيادة الإيرادات من مطارح لا تمثّل عبئاً جديّاً على الأسر، واكتفى بالتلميح إلى احتمال تطبيق زيادة الضريبة على دخل الفوائد من 5 في المئة إلى 7 في المئة، التي وردت أيضاً في برنامج الحكومة السابقة ومشروع موازنتها لعام 2007.
وبحسب المعلومات، فإن زيادة هذه الضريبة لن تدرّ على الخزينة إلا حوالى 100 مليار ليرة إضافية، أي ربع الزيادة المفترضة للإيرادات العامّة، ما يعني أن هناك المزيد من المطارح المستهدفة، وهو أمر لم ينفِه الوزير شطح، إلا أنه أصر على أن البحث لا يزال مستمراً، وأن هناك رغبة جدّية في تفادي أي زيادات على ضرائب الاستهلاك ورسومه، أو بمعنى آخر أوضح، من دون زيادة أعباء «مهمّة» على الأسر، بحسب تعبيره.

الكلفة السياسيّة

ولا يرى الوزير شطح أن هناك كلفة سياسية للإجراءات الضريبية التي سيقترحها. فالقرار، أي قرار، سيُتّخَذ من مجلس الوزراء مجتمعاً، الذي يضمّ كلّ الكتل النيابيّة والأطراف السياسية الأساسية، وبالتالي لن يتحمّل هو وحده، أو الفريق السياسي الذي ينتمي إليه، مسؤولية هذا النوع من الإجراءات غير الشعبية، إذ إن مجلس الوزراء يعي تماماً أن الحاجات التمويلية كبرت في هذه الفترة الصعبة، وسيضطر للقبول بزيادة حجم الدين العام بدلاً من خفضه، كذلك سيضطر للقبول بزيادة العجز... إلا أن هناك خطوطاً حمراً لا يمكن أحداً أن يتجاوزها في إدارة المالية العامة، «وسنمد يدنا مجدداً إلى الخارج لمساعدتنا، ولكن ذلك لن يكون كافياً لتمويل كل الحاجات المستجدة، لذلك لا بد من زيادة الإيرادات لتمويل جزء من هذه الحاجات».

بدل النقل والتعويضات

وقال شطح إنه سيلتقي في الأيام القليلة المقبلة مع وزير العمل محمد فنيش لوضعه في الصورة، والتنسيق معه في ملف تصحيح الأجور قبل طرحه على طاولة مجلس الوزراء. وأشار إلى أنه اجتمع مع الهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية، وباتت لديه صورة كاملة عن المطالب وكلفتها، مشيراً إلى أنها مطالب محقّة، ولكن هناك قدرة محدودة على تلبيتها كلها، حرصاً على عدم المس بالاستقرار العام.
ولفت إلى أن وجهة نظره الشخصية تلتقي مع مطالب العمال والموظفين باعتماد زيادة نسبية على شطور الأجر، إلا أن هناك صعوبة في تحقيق ذلك، وبالتالي لا مفر من اعتبار قرار الحكومة السابقة نقطة الانطلاق في معالجة هذا الملف، إذ إن القرار المذكور قضى بزيادة الأجور عبر مبلغ مقطوع قيمته 200 ألف ليرة، فضلاً عن 100 ألف ليرة للمتقاعدين، «وسيُحسَّن هذا القرار عبر زيادة بدل النقل والتعويضات العائلية».

تهديد بالتحرّك المطلبي

وعلى المقلب الآخر، بات معروفاً أن الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية (التي تضم روابط الأساتذة والمعلمين والموظفين في القطاع العام) يرفضان مثل هذه الطروحات، ويصران على إصدار قرار بزيادة نسبية على الأجور بنسبة تغطي الخسائر الفعلية من جراء التضخّم المتراكم منذ عام 1996. وقالت مصادر مطّلعة إن وزير العمل محمد فنيش يقف إلى جانب هذا المطلب، انطلاقاً من ضرورة تطبيق القانون 63/67 الذي يحدّد آلية زيادة الأجور.
والتقى وفد من هيئة التنسيق النقابية شطح أمس وسلّمه مذكرة تلخص هذا الموقف، وتحذّر من المضي في تكريس مبدأ المبلغ المقطوع الذي لا يتناسب ونسب التضخّم المتراكمة (58%). وقالت مصادر الوفد إن شطح وعد بنقل حيثيات هذا الموقف إلى مجلس الوزراء، على أن يجتمع به ثانية في أسرع وقت. وبناءً على جواب شطح، ستقرر الهيئة صيغة التحرك المناسبة.
وكانت الهيئة قد زارت فنيش للغاية نفسها، وسلمته المذكرة إياها. واستغربت الهيئة، خلال الاجتماع، إصرار رئيس الحكومة فؤاد السنيورة على مبلغ 200 ألف، في وقت لا يتناسب فيه هذا المبلغ حتى مع نسبة التضخم التي حددتها إدارة الإحصاء المركزي (24%)، لأنّه، برأيها، لا يكاد يتجاوز 10%.
كما أصرت الهيئة على الحفاظ على نسبة الفارق بين الحد الأدنى للأجور وأساس أي راتب من الفئات الوظيفية، مع زيادة نسبة مئوية تعطى على أساس الراتب وتنعكس على قيمة الدرجة (تعديل الدرجة). ورفضت صيغة المبلغ المقطوع كبدعة تستهدف الأقدمية وتجميد الدرجة.


2800 مليار ليرة

هي تقديرات الإنفاق السنوي الإضافي من جراء زيادة الأجور وتمويل الكهرباء والنفقاتالأمنية والعسكرية


850 مليار ليرة

هي الكلفة السنوية لزيادة الأجور وبدلات النقل والتعويضات العائلية لموظّفي القطاع العام


الخط الأحمر