دمشق ـ سعاد مكرمرغم أجواء التفاؤل التي أشاعتها زيارة الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي إلى دمشق، إلا أن أحد المراقبين علّق لدى رؤيته الرئيس السوري بشار الأسد عند باب القصر الجمهوري: تُرى، هل ستكون دمشق قادرة على المضي حتى النهاية في تلبية المطالب الفرنسية والأوروبية؟ وما الذي تريده فرنسا بالتحديد؟ من دون أن يخفي ثقته بأنّ اندفاع سيد الإليزيه نحو عاصمة الأمويين «له أبعاد أخرى غير معلنة».
فباريس تريد أن تؤدي دوراً فاعلاً في الشرق الأوسط. في المقابل، تريد دمشق أن تعيد علاقاتها مع أوروبا إلى مجراها الطبيعي، بما يساعدها على تحقيق «السلام» مع إسرائيل، من خلال استرجاع أراضيها المحتلة.
كذلك على صعيد الاقتصاد، فالأفق يبدو أوسع ومجال التعاون بين البلدين كبير جداً. وفي هذا السياق، يكفي لمعرفة حجم ما تحقق خلال أشهر قليلة: عودة شركة «توتال» إلى العمل في النفط السوري، وإنعاش صفقات طائرات «الإيرباص»، فضلاً عن حدث ثقافي ذي دلالات سياسية بارزة، وهو افتتاح ثانوية شارل ديغول وسط دمشق، فيما لم تجدّد الحكومة السورية رخصة المدرسة الأميركية للعمل في البلاد.
اللهفة التي يبديها سيّد الإليزيه في تسريع خطوات انفتاحه تجاه سوريا تُظهر أنه يطمح إلى الحصول على المزيد، بما يتجاوز الملف اللبناني. إذاً، فثمة ملفات أخرى في المنطقة تستحق الاستحواذ على الاهتمام الفرنسي، ضمن توقعات بانسحاب أميركي من العراق في حال فوز بارك أوباما، وهو ما سيفرض إعادة توزيع للأدوار في المنطقة. عندها، سيكون لوجود فرنسا في المنطقة، عبر سوريا، مردود إيجابي كما يعتقد كثيرون. كما أن عقد القمة الرباعية، اليوم، سيمثّل فرصة لاستئناف الحوار الفرنسي ــــ التركي، الذي توتّر على خلفية معارضة العضوية التركية في الاتحاد الأوروبي.
وإذا كانت فرنسا تطمح إلى تأدية دور في العراق، فلن يكون هذا ممكناً من دون حوار مع سوريا وتركيا وإيران، وهو ما ستوفّره القمة الرباعية كخطوة أولى.
القمة الرباعية تأتي عكس الرغبة الأميركية، لترسم خريطة جديدة للمصالح المشتركة الإقليمية والدولية، من دون تجاهل أهمية تكريس الدور العربي من خلال دولة صغيرة مثل قطر، كان لها القدرة على إنجاز اتفاق الدوحة، ومرشحة حالياً لتأدية دور في تبديد المخاوف العربية الخليجية إزاء إيران، بما يعوّض انحسار الدورين العربيّين الأساسيين المصري والسعودي، اللذين لم يفوّت ساركوزي الفرصة لمجاملتهما وتوجيه الشكر إليهما من دمشق، بما يشبه الاعتذار عن عدم تلبية طلبهما، من فرنسا، التريّث في الانفتاح على سوريا.