كثيراً ما تمنى المصريون أن يتولى أمرهم المشير محمد عبد الحليم أبو غزالة، وأن يصبح رئيساً خليفة للرئيس الحالي حسني مبارك. كان دائماً «البديل الشعبي»
القاهرة ــ الأخبار
شارك الرئيس المصري حسني مبارك وكبار رجال الدولة ورؤساء مجلس الوزراء والشعب والشورى، أمس، في تشييع نائب رئيس الوزراء ووزير الدفاع الأسبق، عبد الحليم أبو غزالة، في جنازة عسكرية رسمية قابلها فتور في الإعلام.
كانت شعبية الرجل مصدر إزعاج للنظام ولمنافقيه. وكان ينظر إلى العلاقة بينه وبين الشارع بقلق في بعض الدوائر والأوساط المحيطة بالرئيس وفي أروقة قصر الاتحادية في مصر الجديدة، لذلك كانت إقالة الرجل مفاجئة تماماً كإبعاده عن المسرح السياسي والإعلامي. ووفاته تمثل أيضاً مصدر راحة لمن اعتقدوا أن الرجل يمثل خطراً على سيناريو التوريث.
ويشرح الكاتب الأميركي، روبرت سبرنغورج، في دراسة نشرها عام 1987 في مجلة «ميد ايست ريبورت» بعنوان «الرئيس والمشير»، أن أبو غزالة كان المرشح النموذجي ليصبح خلفاً لمبارك. ورغم أن مبارك وأبو غزالة يمتلكان صفات شخصية متميزة ويشتركان في الخبرات، إلا أن الرجلين فى الواقع مختلفان اختلافاً كبيراً. فأبو غزالة شخصية ذات منطق واضح قوي وطموح. كما أن مقابلاته غير المسجلة مع الصحافيين الأميركيين تعطي انطباعاً بقدرته على مواجهة المسائل مباشرة وبشكل محدد وأنه يتطلع إلى السلطة ويريد تنفيذ برنامجه. على عكس مبارك، الذي يعطى انطباعاً بأنه حمل عناء الرئاسة كرهاً، وقرر بصرف النظر عن الواجب أداء الوظيفة بأفضل ما يمكنه.
تختلف القناعات السياسية والسلوك السياسي لكل من مبارك وأبو غزالة في الشكل والمضمون؛ فمبارك، الذي يتمتع بمزاج إداري، سعى لدمج اتجاهات عديدة في السياسة المصرية وإعادة بعض التوازن إلى العلاقات المصرية الخارجية، بينما أبو غزالة يبدو محافظاً صريحاً شديد العداء للشيوعية وموالياً لأميركا، وقد أكد أن أمن مصر لا ينفصل عن أمن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي ونادى بأنه على القوات العربية أن تقوم بالتنسيق مع القيادة المركزية للولايات المتحدة، وهو يؤيد بشدة مشاركة الشركات الأميركية المتعددة الجنسيات فى الاقتصاد المصري.
أحس مبارك بالخطر فقرر تنحية أبو غزالة. وفي ربيع عام 1989، استدعى مبارك أبو غزالة إلى القصر الرئاسي ليقول له باقتضاب «أنا عايزك تحلف اليمين علشان عينتك مساعد لي».
بعدها أعلن رسمياً أن مبارك أوفد أبو غزالة في مهمات خاصة تتعلق بطبيعة عمله الذي كان واضحاً أنه مجرد محطة نهائية قبل إحالة الرجل للتقاعد وتقليص نفوذه داخل المؤسسة العسكرية.
وتوفي المشير أبو غزالة، مساء أول من أمس عن عمر يناهز 78 عاماً بعد صراع طويل مع المرض، بعدما دخل مستشفى الجلاء العسكري في ضاحية مصر الجديدة الشهر الماضي إثر تدهور حالته الصحية حيث كان يعالج من سرطان الحنجرة.
ولد أبو غزالة في شهر شباط عام 1930 في قرية زهور الأمراء التابعة لمركز الدلنجات في محافظة البحيرة، والتحق بالكلية الحربية وتخرج منها سنة 1949. وحصل على إجازة القادة للتشكيلات المدفعية من أكاديمية ستالين في الاتحاد السوفياتي سنة 1961، ودرس أيضاً في أكاديمية ناصر العسكرية العليا في القاهرة، كما حصل على دبلوم الشرق من كلية الحرب الأميركية، وهو أول شخص غير أميركي يحصل على ذلك الدبلوم، كما حصل على بكالوريوس التجارة وماجستير إدارة الأعمال من جامعة القاهرة.
تدرج في المواقع القيادية في القوات المسلحة المصرية، وعين وزيراً للدفاع والإنتاج الحربي وقائداً عاماً للقوات المسلحة سنة 1981، ورقي إلى رتبة مشير سنة 1982، ثم أصبح نائباً لرئيس مجلس الوزراء ووزيراً للدفاع والإنتاج الحربي وقائداً عاما للقوات المسلحة منذ عام 1982 وحتى 1989، وعين بعدها مساعداً لرئيس الجمهورية.
شارك أبو غزالة في ثورة 23 تموز 1952، حيث كان من الضباط الأحرار، كما خاض حرب فلسطين وهو لا يزال طالباً في الكلية الحربية، وشارك كذلك في حرب السويس وفي حرب تشرين الأول 1973 عندما كان قائد مدفعية الجيش الثاني الميداني.
حصل الراحل على العديد من الأوسمة والميداليات، منها وسام التحرير عام 1952، والاستقلال عام 1956، ووسام نجمة الشرف العسكرية عام 1974، ووسام الجمهورية العسكري من الطبقة الأولى، وقلادة الجمهورية عام 1989، وله مؤلفات منها «وانطلقت المدافع عند الظهر»، و«القاموس العلمي في المصطلحات العسكرية»، وهو يجيد اللغات الإنكليزية والروسية والفرنسية.