ماذا عن اليوم التالي لفشل الحوار الفلسطيني؟ يبدو أن هذا هو السؤال الذي يشغل أروقة صنع القرار العربي، وخصوصاً أن ملامح الإخفاق بدأت تتظهّر يوماً بعد يوم
حسام كنفاني
حسابات فشل حوارات القاهرة وما يليها من اجتماع موسّع مرتقب تتقدم على حسابات النجاح. هذه هي محصلة المشهد الفلسطيني في الساعات الأربع والعشرين الماضية بعد مقرّرات وزراء الخارجية العرب والتصريحات التي خرج بها وزير الخارجية السعودي سعود الفيصل، والأمين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى.
مقررات الوزراء وتصريحاتهم تحمل في طياتها توجهات قد تكون شديدة الخطورة على الساحة الفلسطينية؛ فالحديث عن «عقوبات على معرقلي المصالحة» جديد على اللهجة العربية في التعاطي مع حال الانقسام الداخلي. وبما أن الرئيس محمود عباس كان موجوداً في قاعة الاجتماعات، فمن المؤكّد أن التهديد ليس موجهاً إليه أو إلى حركة «فتح»، بل هو في اتجاه آخر تماماً، ويستهدف، رغم نفي موسى، حركة «حماس».
العقوبات والجدول الزمني للحوار، الذي تحدث عنه موسى أيضاً، يوحيان بأن هناك توجهاً لعزل «حماس» كليّاً، وربما رفع الغطاء عنها، ولا سيما أن ملامح الاتفاق الأولي بين الفصائل في القاهرة لا يرضي الحركة، ويفقدها أقرب حلفائها، أي «الجهاد الإسلامي»، التي لا تزال، رغم التوترات المتفرقة مع «حماس»، تحافظ على مسافة واحدة من الجميع في الأزمة الداخلية، وهو ما دفع عباس إلى لقاء أمينها العام، رمضان عبد الله شلّح، خلال زيارته الأخيرة إلى دمشق قبل شهرين.
«الجهاد» اليوم هي جزء من «التوافق المبدئي» الذي تم في القاهرة، والذي من المتوقع أن يُعرض على «حماس» كأمر واقع فصائلي حاصل على «الإجماع» الفلسطيني المطلوب. رفض الحركة الإسلاميّة للاتفاق هو أساس مخططات التحرّك المقبل، الفلسطيني والعربي.
«حماس» إلى اليوم لم تخيّب آمال المراهنين على مراهقتها السياسية؛ فالقيادي في الحركة، محمود الزهار، خرج ليعلن رفضه للانتخابات المبكرة الرئاسية والتشريعية، التي تمثّل جزءاً أساسياً من أي مشروع حل معروض، فيما أشار عضو المكتب السياسي في الحركة، محمد نزال، إلى ان لا حوار قبل الإدارة الأميركية الجديدة، أي مطلع السنة المقبلة.
من الواضح أن «حماس» لم تقرأ بعد ما بين سطور التوجه العربي، ورهانها لا يزال على نهاية العام، وتحديداً 9 كانون الثاني 2009 الذي تضعه موعداً لنهاية ولاية الرئيس الفلسطيني، على أمل أن يكون التعاطي، العربي على الأقل، مع الحركة من منظور مختلف.
في المقابل، من الواضح أنه ليس في نية العرب الوصول إلى هذا التاريخ من دون حسم الأمور في الداخل الفلسطيني لمصلحة أي من الطرفين، أو التسوية والمصالحة، إذا أمكن، رغم أن ملامحها لا تزال بعيدة.
التحرك في هذا الاتجاه يبدو أنه بدأ، والتلويح بالعقوبات هو جزء مهم منه. إلا أن تحرّكاً مكتوماً آخر انطلق قبل أسابيع بهدوء وبدأت وتيرته تتصاعد باطّراد في الأيام القليلة الماضية. تحرّك عنوانه مطلبي ويتمثل في إضرابات الموظفين والمعلمين والأطباء، التي دخلت أسبوعها الثاني.
هذا التحرك قد لا يكون معزولاً عن التوجه العام لعزل حركة «حماس»، ولا سيما أنه يعد تمريناً لـ«عصيان مدني» واسع ضد الحركة الإسلامية في قطاع غزة. وقد لا تكون الحركة مخطئة في توجيه أصابع الاتهام إلى رام الله في تدبير الأمر، ولا سيما أن الحديث في أروقة السلطة عن هذا الخيار قديم، وكان يجابه دائماً بأنه بحاجة إلى «خطّة وتمويل»، يبدو أنهما قد توافرا.
مخطّط الإضراب يبدو يتجاوز رام الله، وهدفه خلق حالة «كره عامة» للحركة الإسلامية في إطار معادلة العرب والفصائل في مواجهة «حماس»، التي قد يكون من المفيد لها اليوم إعادة تفعيل براغماتيتها لاستيعاب ما هو آتٍ.