500 ألف ليرة الحد الأدنى و200 ألف على جميع الرواتب


حسم مجلس الوزراء أمره في ملف الأجور العالق منذ شهور طويلة، وقرر إعادة استنساخ قرار سلفه، مع بعض التعديلات الطفيفة، وهي تعديلات ستُغضب هيئات أصحاب العمل في القطاع الخاص، من دون أن تكون كافية لثني قيادة الاتحاد العمالي العام وهيئة التنسيق النقابية عن إطلاق سلسلة تحركات تصعيدية معارضة لنوعية هذا القرار وحجم الزيادات الضئيل بالمقارنة مع معدّلات التضخم المتراكمة منذ عام 1996... ولا سيما أن الحكومة ستتخذ من هذا القرار المستنسخ وتعديلاته الطفيفة ذريعة للبحث عن سبل لزيادة إيرادات الخزينة، انطلاقاً من مشروع موازنة عام 2009، الذي تعكف وزارة المال على إنجازه في وقت قريب!

القرارات المتخذة

فقد اتخذ مجلس الوزراء أمس قراراً يقضي بالآتي:
1- رفع الحدّ الأدنى للأجور في القطاعين العام والخاص من 300 ألف ليرة إلى 500 ألف ليرة، أي بما قيمته 200 ألف ليرة، وما نسبته 66.66 في المئة.
2- زيادة أجور العاملين في القطاعين العام والخاص بمبلغ مقطوع قيمته 200 ألف ليرة، وهي زيادة تمثل ما نسبته 16.66 في المئة على متوسط الأجور المقدّر بحوالى 1.2 مليون ليرة... على أن يتم احتساب هذه الزيادة في أساس الراتب، على عكس قرار الحكومة السابقة، وأن يستفيد منها جميع العاملين مهما بلغت أجورهم، خلافاً لشرط الهيئات الاقتصادية الذي أبلغته إلى الرئيس فؤاد السنيورة لجهة أن يستفيد من الزيادة المقطوعة أصحاب الأجور التي تقل عن 1.5 مليون ليرة فقط، وستسري هذه الزيادة بمفعول رجعي اعتباراً من أيار الماضي، وهو ما ترفضه الهيئات الاقتصادية رفضاً تاماً، وتعترض عليه الهيئات النقابية التي تريد أن تسري الزيادة اعتباراً من أول هذا العام.
ويمنح القرار مؤسسات القطاع الخاص مهلة حتى تشرين الثاني المقبل لزيادة أجور العاملين لديها والمستحقات المترتبة على المفعول الرجعي، كما يمنحها الحق في حسم أي زيادات سبق أن أعطتها للعمال في السنوات الثلاث الماضية، بشرط أن تكون هذه الزيادات قد جاءت بشكل صريح تعويضاً عن غلاء المعيشة، وأن تكون قد شملت كل العاملين في المؤسسة وفي الوقت عينه، وذلك انسجاماً مع القانون 36/67 الذي ينظّم آلية منح زيادات غلاء المعيشة، وهذه الآلية سبق أن اعترضت عليها الهيئات الاقتصادية.
وقال وزير المال محمد شطح بعد جلسة مجلس الوزراء أمس إن الزيادة المقطوعة ستطال الأجراء العاملين على القطعة أو الساعة أو بدوام جزئي، من دون أن يوضح الآلية التي ستعتمد لاحتسابها على أجورهم، وقد نفى أكثر من وزير اتصلت بهم «الأخبار» أن يكون هذا البند قد تمت مناقشته في الجلسة!
3- زيادة معاشات المتقاعدين في القطاع العام بمبلغ مقطوع قيمته 150 ألف ليرة، أي بزيادة 50 ألف ليرة عمّا كانت قد قررته الحكومة السابقة.
4- زيادة بدل النقل من 6 آلاف ليرة عن كل يوم عمل فعلي إلى 8 آلاف ليرة، أي بما قيمته ألفا ليرة، وما نسبته 33.33 في المئة.

التعويضات العائلية

وقرر مجلس الوزراء تأجيل بتّ العنصر الخامس لملف الأجور، والمتعلق بزيادة التعويضات العائلية، وقالت مصادر وزارية إن هذا العنصر تمت مناقشته، وهناك موافقة مبدئية على هذه الزيادة، إلا أن بعض الوزراء لفتوا إلى أن اتخاذ القرار وفق الآليات القانونية يحتاج إلى أخذ موافقة مجلس إدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وهي الجهة المعنية بدفع مثل هذه التعويضات في القطاع الخاص، وأشار أحد الوزراء إلى أن فرع التعويضات العائلية في الصندوق يعاني من عجز بنيوي بلغت قيمته التراكمية في العام الماضي حوالى 182 مليار ليرة، ما يعني أن الصندوق سيكون عاجزاً عن زيادة قيمة هذه التعويضات من دون زيادة الاشتراكات المترتبة على أصحاب العمل.

زيادة الإيرادات

وأعلن الوزير شطح أن كلفة تنفيذ القرارات المتخذة في القطاع العام سترتب كلفة إضافية على الخزينة العامة تقدّر بما بين 730 ملياراً و740 مليار ليرة، وبالتالي فإن هناك حاجة لزيادة الإيرادات، انطلاقا من مشروع موازنة عام 2009، وكرر أنه لن يقترح زيادة الضريبة على القيمة المضافة.

هيئة التنسيق النقابية

ومن المقرر أن تعقد هيئة التنسيق النقابية لروابط الأساتذة والمعلمين في التعليم الرسمي ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة وموظفي القطاع العام اجتماعاً استثنائياً اليوم، لإقرار خطوات التحرك المقبلة في ضوء ما اتخذه مجلس الوزراء من مقررات بخصوص تصحيح الرواتب والأجور. وكانت الهيئة قد نفذت اعتصاماً تحذيرياً في ساحة رياض الصلح على مقربة من وزارة المال، وبالتزامن مع انعقاد جلسة مجلس الوزراء، وأعلنت رفضها لتطبيق ما سمّته سياسة الأمر الواقع في ملف تصحيح الرواتب والأجور، مشيرة إلى أنها فوجئت بتحديد موعد الجلسة قبل العودة إلى الهيئات الممثلة للقطاعات المختلفة، إذ إنها كانت تنتظر رداً من الوزير شطح بشأن الثوابت التي سبق أن رفعتها إلى المسؤولين. وقالت إنها لا تزال تصرّ على الحفاظ على نسبة الفارق بين الحد الأدنى للأجور وأساس أي راتب من الفئات الوظيفية، وأن تغطي الزيادة نسبة التضخم المتراكمة (58%)، وأن تعير الحكومة الاهتمام بحقوق المتقاعدين والأقدمية في الوظيفة.
وفي هذا الإطار، استغرب عضو الهيئة التنفيذية لرابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عصام خليفة عدم التشاور مع الهيئات النقابية التي تمثل مئات الآلاف من المواطنين، ورأى أنّ سياسة الأمر الواقع تولد القهر وتغيّب العدالة الاجتماعية والاندماج الوطني. وتساءل: «من اتفق مع من؟ هل الهيئات الاقتصادية والمسؤولون هم كل البلد؟».
من جهته، شكك رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب بصدقية شطح، منتقداً سياسة الهروب في التعاطي مع روابط الأساتذة والموظفين. وقال: «نحن لا نطلب منّة أو صدقة من أحد، هذه حقوقنا، ويوم إقرار 200 ألف ليرة سيكون يوماً أسود في تاريخ الحركة النقابية».
(الأخبار)


730 مليار ليرة

هي الكلفة المقدّرة على الخزينة العامة من جراء قرارات مجلس الوزراء، والتي ستكون بمثابة الذريعة الجديدة لفرض سلسلة إجراءات ضريبية وغير ضريبية لزيادة الإيرادات بمقيمة 450 مليار ليرة في موازنة 2009


زيادة «سياسية»

أكّد أكثر من وزير أن مناقشات ملف الأجور لم تستغرق أكثر من ثلاثة أرباع الساعة من الجلسة الطويلة، وقد اتخذت هذه القرارات بالإجماع ومن دون أي تحفّظ من أي وزير، علماً بأن وزيرين طرحا إعطاء زيادات أكبر، إلا أنهما لم يركّزا على هذا الطلب الذي مرّ مرور الكرام، وقال أحد الوزراء إن الجميع كانوا متفقين على أن الوضع السياسي يفرض اتخاذ قرار الزيادة بسرعة، فيما الوضعان المالي والاقتصادي لا يسمحان بزيادة أكبر، اذ ان اكثرية المؤسسات لا سيما في الصناعة قد تضطر الى تقليص الوظائف واحلال العمالة الاجنبية.