وائل عبد الفتاحلا أحد يعرف العدد الحقيقي لضحايا سقوط صخرة المقطّم على إحدى عشوائيات الدويقة. الرقم سرّ لأنّ الضحايا خارج تعداد الإحصاء الرسمي. يؤكّد الأهالي أن عدد المدفونين تحت الصخور هو ما بين ٥٠٠ و٦٠٠، ويطالبون الحكومة بالبحث عنهم واستخراج جثثهم. أما الحكومة، فقد حوّلت المنطقة إلى ثكنة عسكرية وهي تقترب من قرار إعلان المنطقة مقبرة جماعية، وبذلك، سيكون هذا القرار هو الأول من نوعه في تاريخ مصر الحديثة.
اللافت أنّ الحكومة تختار بين الأهالي من يصلحون كـ«ضحايا للتصوير» أمام الكاميرات التي تعلن تسليم وحدات سكنية للمتضررين. الصحف الرسمية قالت إن ٢٨٩ أسرة تم إسكانها وهو ما ينفيه الأهالي الذين تظاهروا مع حركة «كفاية» قرب نقابة الصحافيّين، مردّدين شعارات «الدم بيصرخ في الدويقة... هي دولة ولا سويقة» (تصغير سوق باللهجة المصرية).
أحد الساخرين التقط التحليلات الجيولوجية التي تفيد بأنّ مياه الصرف الصحي والمياه الجوفية هي أسباب الانهيارات الصخرية. الساخر قال «يعني الصخور تغضب من مشاريع الأغنياء فتقتل الفقراء».
السخرية لم تكن حاضرة في معركة الفقراء في موقع الكارثة. فقد رفع عسكر الشرطة هراواتهم وأحزمتهم في مواجهة الأهالي الثائرين. المعركة تتكرّر مع هبّات الغضب بعد موجات من الدوران في متاهة الأجهزة الحكومية التي لا تفرّق بين ضحيّة حقيقية تستحقّ «شقّة» من شقق المحافظة، وبين ضحيّة مزيّفة تريد اقتناص فرصة في زحمة الورثة.
الأجهزة سحبت قسيمة تخصيص الشقق من الضحايا الحقيقيين عقاباً على دخول المزيّفين. إنها دراما الفساد والكوارث في مصر. وها هو الرئيس حسني مبارك في جولة لم تكن معدّة سلفاً (ربما رداً على جولات ابنه جمال أو تاكيداً على أنه ما زال موجوداً ويتمتع بالحيوية). الرئيس وزّع عقود تمليك وحدات سكنية وهو ما لم يحدث منذ فترات طويلة. الغريب أنّ مبارك لم يكتف بتوزيع ما سمّته صحف حكومية «بشائر الخير»، لكنه قدّم النصيحة للمستفيدين وحذّرهم من الاتجار بالوحدات التي حصلوا عليها من الدولة.
النصيحة تأتي في سياق اتجاه عام في النظام إلى لوم الضحايا، لا لأنهم سكتوا عن حقوقهم بل لأنهم يتاجرون في عطايا الحكومة. اتجاه بدأ عقب إضراب «٦ نيسان» بحملة كبيرة مفادها أنّ سبب كوارث مصر هو الزيادة السكانية.
المقابر الجماعية تذكّر المصريّين بالحرب مع إسرائيل عندما دفن آرييل شارون أسرى الجيش المصري أحياءً، وهو ما فعله صدّام حسين مع العراقيين. لمن ستُنسَب المقابر الجماعية في القاهرة؟