200 مليون دولار سيربحها المستثمر عن كل سنت إضافي على السعرمحمد وهبة
تصدّى وزير الطاقة، ألان طابوريان، للحملة المتواصلة منذ سنوات على كهرباء لبنان، التي كانت «تحرّض» على تسريع إنجاز خصخصتها، وتُصوّرها على أنها «مزراب» الخزينة العامة، والسبب الرئيسي لارتفاع الدين العام وكلفة خدمته، والعائق الأساسي أمام تحقيق نمو. فقد وصف طابوريان خصخصة الكهرباء بأنها «مغامرة» سيربح المستثمر منها ملايين الدولارات الإضافية، إذ يُتوقع أن ترتفع ذروة استهلاك لبنان من الكهرباء إلى 20 مليار كيلووات ساعة سنوياً، وبالتالي فإن كل 1 سنت إضافي على سعر الكيلووات الحالي سيُنتج حوالى 200 مليون دولار ربحاً إضافياً سنوياً للمستثمر على حساب مصلحة المواطن والخزينة العامة، ولذلك، لا يخفي طابوريان قراره الجريء عدم الاستعجال في الخصخصة خلال فترة توليه وزارة الطاقة.
كلام طابوريان جاء في ورقة عمل تضمنت رؤيته للقطاع، عرضها أمس في ورشة العمل التي نظمتها لجنة الأشغال العامة والنقل والطاقة والمياه النيابية بعنوان «التخطيط المتكامل للتوسع في المنظومة الكهربائية اللبنانية» بحضور كل المعنيين في القطاعين العام والخاص والمهتمين بعملية الخصخصة. وهذه الورقة كانت واضحة في ردّها على كل الضغوط التي تتعرض لها مؤسسة كهرباء لبنان من أجل تفريغها وتدميرها لفرض خصخصتها أو بيعها خردةً.

التشركة هي الحل

وقد توصل طابوريان إلى تأييد خيار التشركة بعد تفنيد كل الخيارات المطروحة، فأعلن أن الحل الأنسب هو في الإبقاء على ملكية قطاع الكهرباء بيد الدولة، وتشركة مؤسسة كهرباء لبنان، ما يوفر «حلاً مناسباً للمشاكل الإدارية والبشرية والمالية التي تتخبط فيها المؤسسة من طريق المشاركة أو عقد إدارة تشغيل مع القطاع الخاص»، وبالتالي سيُدخَل القطاع الخاص بطريقة منظمة وغير عشوائية، فضلاً عن تفادي الأخطاء السابقة عندما أُعطيت تراخيص الامتياز لبعض الشركات التي تشتري الكهرباء بسعر50 ليرة لكل كيلووات ساعة، فيما تبيعها للمشتركين بسعر وسطي يبلغ 127 ليرة لكل كيلووات ساعة.
ورأى أن خيار الإبقاء على ملكية قطاع الكهرباء بيد الدولة كاملاً هو الأمثل نظرياً ويحمي المواطنين من تحويل المرفق إلى قطاع خاص احتكاري، لكنه يمثّل استمراراً للوضع الحالي لكهرباء لبنان، رافضاً خيار الخصخصة الذي صُوِّر كأنه الدواء الشافي، فهو يقضي بخصخصة القطاع كاملاً وبيعه لمستثمرين من القطاع الخاص ليصبح قطاعاً حراً ومستقلاً. لكن «لا يمكن إيجاد مستثمر لهذا المشروع إلا إذا وفّرت له الدولة مردوداً مضموناً لكامل استثماره طوال مدة الاستثمار، أي عائداً على أمواله يوازي 20 في المئة»، وبالتالي «لا فائدة ما دامت الدولة ستتحمل مخاطر الاستثمار، ما سيمنعها من شراء الطاقة من مصدر آخر بكلفة أقل، إذا وجد، والمستثمر يقطف ثماره!».

الحد الأقصى لزيادة الإيرادات

وهذه الخيارات الثلاثة تنطلق من معطيات المؤسسة التي قدمها رئيس مجلس الإدارة ــ المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، إذ أوضح أن إيرادات المؤسسة لن ترتفع إلا بقيمة 251 مليار ليرة (167 مليون دولار) في حد أقصى، حتى ولو تمت الجباية 100 في المئة على أساس التعرفة الحالية، وعولجت كل مشاكل المؤسسة الأخرى، مشيراً إلى أن هذه التقديرات لا تأخذ في الاعتبار الكلفة الإضافية المترتبة من أجل توفير الجباية الكاملة. وبالتالي فإن العجز سيستمر، ولذلك يرى حايك أن عدم ربط تعرفة الكهرباء بأسعار المشتقات النفطية يوجب تغطية فرق أسعار برميل النفط للكلفة التي تفوق 25 دولاراً للبرميل، عبر تعرفة متحركة، أو عبر تمويله من موازنة الدولة.
ولفت إلى أن هذا الأمر يتطلب من مجلس الوزراء تحديد استراتيجية القطاع والخيارات المتاحة، ولا سيما أن المؤسسة تعمل وفق قانونين، فهي تخضع لأحكام المرسوم 4517 تاريخ 1972، كما أُخضعت منذ عام 2002 إلى قانون تنظيم الكهرباء رقم 462.

الدول تموّل العجز

من جهته، لم يغير وزير المال، محمد شطح في معالم الرؤية السابقة للقطاع، مع استثناء واحد إيجابي حتى الآن يتمثل في تنسيق عملية فتح الاعتمادات لتفريغ بواخر الفيول أويل، فاستهل مداخلته بالإشارة إلى تأثّر المالية العامة بسرعة أو بطء عملية الخصخصة في قطاعي الكهرباء والاتصالات، فالدولة «تسد عجز المؤسسة بمبالغ طائلة بلغت في النصف الأول من عام 2008 حوالى 700 مليون دولار»، ويتوقع أن يبلغ عجز المؤسسة «في حال استمرار الوضع الحالي» في موازنة 2009 بين 2400 مليار و2800 مليار ليرة (بين 1.6 مليار دولار و1.86 مليار دولار)، علماً بأن الدين العام سيزداد في نهاية السنة الجارية بحوالى 3.4 مليارات دولار، أي بمليار دولار أكثر من مشروع موازنة 2008».
وعلّق شطح على خيارات طابوريان الثلاثة، بأنه يؤيد إدخال القطاع الخاص إلى قطاع الكهرباء بأقصى ما يمكن، مشيراً إلى أن تعديل التعرفة أمر ملح، «فالجميع يعلم أن الحكومة والمجلس النيابي الحاليين لن يعالجا إلا ما يمكن إظهار نتائجه بسرعة لأن عمرهما قصير».

عجز أو دعم؟

يتفق المشاركون في الورشة على ضرورة إعادة النظر بالتعرفة، فالعجز المالي القائم في مؤسسة كهرباء لبنان هو في الواقع دعم مباشر توفره الحكومة للمواطنين، ويجب تسجيله في حسابات الموازنة العامة، لا كخسائر لدى المؤسسة، وبالتالي يجب العمل على توجيهه إلى فئات محددة تحتاج فعلياً إلى هذا الدعم، على أن يتحمّل الميسورون الكلفة الفعلية عن استهلاكهم للطاقة.


أكثر من 400 مليون دولار

80 في المئة

هي نسبة ما تمثّله نفقات المشتقات النفطية من مجمل موازنة مؤسسة كهرباء لبنان


75 مليون دولار

قيمة السلفة المالية لتأهيل معملي الذوق والجية وصيانتهما بعد تجاوز عمرهما الطبيعي 25 عاماً


20 ألف ميغاوات ساعة

هو حجم الطلب المتوقع على استهلاك الطاقة في لبنان في عام 2022، ما يوجب إنشاء معامل جديدة


الامتيازات تحقّق أرباحاً طائلة من التعرفة



صيانة معملي الذوق والجية تزيد الإنتاج بنسبة 20%

يرى رئيس مجلس الإدارة ـــــ المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان، كمال حايك، أن المشكلة الأساسية الأبرز سببها العجز المالي الناتج من مبيع الطاقة استناداً إلى سعر برميل النفط المحدد بـ15 دولاراً، مشيراً إلى أن هذا الأمر ترافق مع قرار مجلس الوزراء تجميد قرار مجلس إدارة المؤسسة بتعديل رسوم الوصلات والشعب لزيادة إيرادات المؤسسة.
ويشير حايك إلى عناصر أخرى تسهم في عجز المؤسسة، منها تدنّي تعرفة الامتيازات وتحمّل فروقات التعرفات المدعومة التي أضيف إليها في عام 2007 تعرفة خاصة بالصناعيين، ثم القطاع السياحي في خلال ساعات الليل، وعدم إمكان استيفاء كامل أو معظم مستحقات الإدارات والمؤسسات العامة والبلديات والمخيمات الفلسطينية، والتي تبلغ حوالى 150 مليار ليرة سنوياً، فضلاً عن عدم إمكان استرداد الضريبة على القيمة المضافة وعدم استرداد أكلاف تصليح أضرار عدوان تموز 2006 المقدّرة بحوالى 53 مليون دولار من الهيئة العليا للإغاثة.
ومن الناحية التقنية، فإن قدم معملي الذوق والجية وعدم تمكّن المؤسسة من إجراء أعمال الصيانة والتأهيل الضرورية في أوقاتها لأسباب مالية وتقنية، يعوقان قدرة «كهرباء لبنان» على تحسين الإنتاج، إذ يمكن زيادة قدرة كل مجموعة بنسبة 20 في المئة إذا توافرت الأموال اللازمة للقيام بالصيانة، أي يرتفع حجم الإنتاج من 110 ميغاوات إلى حوالى 135 ميغاوات.
وبحسب حايك، فإن الوضع الإداري في «كهرباء لبنان» قد لامس كل الخطوط الحمر، إذ يبلغ متوسط الأعمار 58 عاماً، والجهاز البشري العامل مكوّن من ألفي عامل، في مقابل 5020 مركزاً بحسب الملاك، وتضطر المؤسسة إلى الاستعانة بعمال متعهدي غب الطلب لتغطية النقص في جهازها البشري، علماً بأن عدد هؤلاء يبلغ 1800 عامل متعهد بأجر يومي يبلغ 21 ألف ليرة، وهم لا يخضعون لقوانين المؤسسة وأنظمتها، وبالتالي لا يمكنها محاسبتهم. وفي مثال على هذا الأمر، هناك 18 عاملاً منهم يعملون في محطات التحويل الرئيسية في البقاع، وهذا أمر غير مألوف وغير طبيعي.
ولفت إلى ضرورة إنشاء وحدات إنتاج طاقة كهربائية جديدة عبر القطاع الخاص أو عبر قروض ميسّرة من البنك الدولي أو الصنايق العربية والهيئات الدولية المانحة، وتأهيل معامل الإنتاج الحالية، لأن التوقعات تشير إلى ازدياد الطلب الاستهلاكي بشكل يوجب زيادة القدرة الإنتاجية.


60% اعتماد اللبنانيّين على المولّدات في 2015

يرى مسؤول الشرق الأوسط في البنك الدولي، هادي العربي، أن اعتماد اللبنانيين على الطاقة التي تنتجها المولّدات الكهربائية الخاصة هو بنسبة 35 في المئة، وقد تصل إلى 60 في المئة بحلول عام 2015 إذا لم تزدد القدرة الإنتاجية وتُتّخَذ إجراءات إعادة تأهيل طارئة لقطاع الكهرباء.
وأشار إلى أن اللبنانيين يدفعون فاتورة الطاقة التي توفرها «كهرباء لبنان» لساعات قليلة، وكذلك يسددون فاتورة المولدات الخاصة التي تغطي بقية حاجاتهم. وبحسب دراسة أجراها البنك الدولي، فإن هذا الوضع يكلف العائلة اللبنانية 25 في المئة إضافية على الكلفة التي يدفعونها لمؤسسة كهرباء لبنان، ولذلك يشير إلى الهامش الذي سيوفره للعائلات اللبنانية، إذ إن الحصول على الطاقة بأسعار مقبولة يسمح بإنفاق أموالها على الغذاء والتعليم والرعاية الصحية.
ورأى العربي أن هذا القطاع بات يمثّل عائقاً أساسياً للتنمية الاجتماعية والنمو الاقتصادي، فضلاً عن أنه تحول رمزاً للتحديات التي تواجه لبنان في مسيرة تحسين الشفافية وإعادة التوازن إلى القطاعات الاقتصادية الكبرى ويوفر النمو ويخلق فرص العمل، مشيراً إلى أن للبنان خصوصية تتصل بصعوبة الاتفاق على رؤية طويلة المدى تشير بوضوح إلى وضع القطاع الحالي وأين يجب أن يكون بعد 10 أو 15 عاماً، وكيف يمكن بلوغ هذه النقطة، وبأي آليات، لافتاً إلى الطبيعة السياسية لبعض القرارات، وناصحاً بفهم المشاكل التقنية وتحديد الخيارات المتاحة وتحليلها ثم اعتماد ما ينسجم مع الإطار السياسي والاقتصادي للبنان.