هل تُعلن «جبهة النصرة» انسلاخها عن تنظيم «القاعدة»؟ سؤال انتشر بسرعة على الصفحات والمواقع «الجهادية»، مقسّماً معسكر «النصرة» إلى مُصدِّق ومُكذّب. بدأ الأمر على شكل «تغريدات» تناقلتها بعض الصفحات على موقع "تويتر" حول اعتزام أبو محمد الجولاني (زعيم النصرة) الإعلان قريباً عن «فكّ الارتباط مع القاعدة».
ووضع «المغرّدون» الأمر في سياق «التمهيد للاتحاد مع باقي مكونات الثورة السورية». في المقابل، سارع «مغرّدون» آخرون إلى نفي وجود نيات من هذا النوع لدى الجولاني، واضعين الأمر في سياق «الفتن الاستخباراتية». وأكد هؤلاء أن «فك الارتباط غير مطروح نهائياً»، وأن «ارتباط النصرة بالقاعدة لا يعرقل أي اجتماع، ولكن الارتباط الخارجي للفصائل الأخرى هو ما يعيق الاجتماع، لأن مصالحهم سوف تتضرر». وتنطعت بعض «الوجوه الجهادية» المعروفة لتقديم شهادات حول طبيعة العلاقة بين التنظيم الأم وفرعه في بلاد الشام. وأعاد هؤلاء الخوض في ماضي العلاقة، وكان من أبرزهم صاحب معرف «أبو عمر الفلسطيني»، وهو أحد «المجاهدين الإعلاميين» ومشرف «شبكة عرين المجاهدين». الفلسطيني أكد أن زعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، و«منذ أول خلايا تشكلت في الشام، أمر بعدم إبراز اسم القاعدة»، وأن الكشف كان اضطرارياً إثر «فتنة البغدادي»، في إشارة إلى تفجّر الخلاف بين زعيم تنظيم «الدولة الإسلامية» وزعيم «النصرة». اللافت أن الفلسطيني أكد «صدور أمر من الظواهري ببيعة أحرار الشام»، لكن «قادة الحركة» رفضوا الأمر حينها، «معللين ذلك بأسباب تقبّلها الشيخ»، وفقاً للمصدر ذاته. وتابع الفلسطيني مؤكداً أنه «بعد الفتنة بمدة، أراد الشيخ الجولاني العودة إلى حضن البغدادي لأنه رأى في ذلك حقناً للدماء»، فرفض أغلب المحيطين بالجولاني. النقطة الأخيرة أكدها صاحب معرف «مزمجر الشام» الشهير، الذي غرّد «أشهد أن الجولاني ركب سيارته أكثر من مرة يريد التوجه لمبايعة داعش في بداية تمدد البغدادي، إلا أن العقلاء جعلوه يعدل عن ذلك». وعاد «الفلسطيني» ليؤكد أن «كل قدامى مجاهدي النصرة عندهم علم بهذا، ثم تبرّأ الشيخ الجولاني منهم في مرثية أبو خالد السوري». وأدلى صاحب مُعرف، «الفاروق أحرار»، بدلوه في هذا السياق فغرّد: «سمعت الشيخ أبو خالد السوري (المعروف بوكيل الظواهري في سوريا) يقول جاءتني رسالة من الظواهري لأخبر الجولاني بأن يلتحق بالجبهة الإسلامية».
وفي «سبيل النجاة» الخبر اليقين؟
وعلى الرغم من صعوبة الوصول إلى جواب يقين في شأن الأخذ والرد السابقين في ظل المفاجآت «الجهادية» التي تكررت على الساحة السورية غير مرة، تبدو «المنهجية» التي اعتمدها أحدث إصدارات «النصرة» المرئية، كفيلةً بتقديم قراءة لحقيقة توجهاتها. الإصدار المذكور نُشر أمس، بعنوان «سبيل النجاة». وجرياً على عادة «النصرة» منذ اللقاء الذي أجراه زعيمها أبو محمد الجولاني مع قناة «الجزيرة» القطرية، لم يقتصر «سبيل النجاة» على خطاب «جهادي» تقليدي، بل تعدّاه إلى عرض للمشهد السياسي أيضاً. وتضمن ما يشبه «مرافعةً جهاديّة سياسيّة» ضد دعاة التفاوض، وضد مبادرة المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا على وجه الخصوص. وبغض النظر عن مضمون «المرافعة»، ينبغي التطرق إلى نقاط أساسيّة احتواها الإصدار، تبدو أشبه بإشارات على تمسك «النصرة» بـ«نهج القاعدة» وانتمائها إليها، ما يجعل الحديث عن «فك الارتباط» مجرد أقاويل. على رأس تلك الإشارات يأتي تغيير اسم الذراع الإعلامية لـ«النصرة» من «المنارة البيضاء للإنتاج الإعلامي» إلى «المنارة البيضاء للإعلام الإسلامي». الإصدار تضمن ما قيل إنه محادثة بين زعيم «النصرة» أبو محمد الجولاني وأحد «الانغماسيين» قبل تنفيذ عملية في مدينة إدلب، وحرص الجولاني خلالها على الحديث عن «رفع راية لا إله إلا الله وتحقيق الشريعة» بوصفهما هدفاً أساسيّاً لعمليات «المجاهدين». أما ختام الإصدار المذكور فكان بلقطة مصوّرة لزعيم «القاعدة» أيمن الظواهري، يؤكد خلالها أن «على الأمة أن تدعم الجهاد بكل ما تستطيع، وعلى المجاهدين أن يتحدوا حول كلمة التوحيد». وهو ختام من شأنه أن يؤكد تمسّك «النصرة» بالسير على «نهج الظواهري».