التمعّن في طبيعة المخاطر والتحديات التي تنتظر رئيسة «كديما»، يُظهر أنه ليس ثمة ما يمكن أن تُحسد عليه، على اعتبار أن هذه المخاطر والتحديات تفرض بلورة استراتيجية تبدو متعذرة في ظل عامل الوقت الضاغط
هآرتس ــ ألوف بن
يجب أن يكون الهدف الأساسي الفوري للمنتصر في الانتخابات التمهيدية في «كديما»، تشكيل الائتلاف والاستقرار السريع على رأس حكومة جديدة بغية تثبيت نفسه وحزبه استعداداً للمواجهة المقبلة مع الليكود في الانتخابات. ومن المناسب حصول ذلك عبر كتلة مشتركة من «كديما» و«العمل»، وهذا ما لا يمكن القيام به فقط من خلال إطفاء الحرائق وإدارة الأزمات والبحث عن الفرص السانحه. هذه مسألة بحاجة إلى استراتيجية.
ثمة خطران داهمان يتربّصان برؤساء الوزراء الجدد. الأول ميلهم إلى الانشغال بالهوامش التي تمتص منهم طاقات حيوية وقوة سياسية. والثاني هو التورّط في أزمة أمنية لا داعي لها، ما يحرف الانتباه نحو مشكلة هامشية.. النتيجة تكون كشف نقاط ضعفه.
ومن سيأتي بعد أولمرت سيكون ملزماً بالحذر من مثل هذه المصائد المغرية، وأن يدرك أن وضعه أسوأ من وضع من سبقوه. أولاً: ليس لديه تفويض من الشعب كلّه، بل من منتسبي «كديما» وحدهم. ثانياً: ليس لديه الوقت. القائد الجديد يحتاج إلى سنة تقريباً لبلورة استراتيجية وسياسية عملية. ولكن من ينزل إلى الملعب في منتصف المباراة لا يملك فرصاً كثيرة لإصلاح الأخطاء قبل صافرة النهاية. عليه أن يطرح استراتيجية سريعة تميّزه عن أولمرت وأن يأمل في أن تصمد حتى الانتخابات.
المحيط الخارجي مصدر تهديد هو الآخر: أميركا مشلولة وتنتظر رئيسها الجديد. محمود عباس قد يخرج من الحكم في كانون الثاني. حسن نصر الله يتطلع إلى الانتقام، والركود العالمي يهدد الجميع. يجب الحذر من أزمة غير متوقعة مثل المواجهة العنيفة بين الفلسطينيين والمستوطنين في الضفة، الأمر الذي سيدخل إسرائيل في ورطة دولية ويهدد استقرارها الداخلي.
ما الذي يمكن للخليفة الجديد أن يركّز عليه؟ دفع المفاوضات مع الفلسطينيين نحو الدولتين يبدو بديلاً بديهياً سيطرحه موقع «كديما» كحزب للسلام في مواجهة «الليكود» الرفضوي، ويوفر دعماً دولياً لرئيس الوزراء الجديد. ولكن المفاوضات الجدية مع السلطة الفلسطينية ستمثّل خطراً على الائتلاف مع «شاس»، عدا عن أن الجمهور لا يثق بإمكان التوصل إلى التسوية.
المفاوضات مع سوريا تحظى بدعم المؤسسة الأمنية وتنطوي على جدوى استراتيجية لإسرائيل التي تسعى لإبعاد (الرئيس بشار) الأسد عن التحالف مع إيران. ولكن إنضاج المباحثات نحو التسوية يستوجب تدخّلاً أميركياً. الإدارة المنصرفة لا تبدي الاهتمام بذلك، والإدارة الجديدة ستحتاج إلى وقت لبلورة سياستها.
التجنّد الوطني في مواجهة التهديد الإيراني سيثير الذكريات البطولية من الخمسينيات، ويعزز صورة رئيس الوزراء كقائد أمني، وينتزع من (بنيامين) نتنياهو الورقة الأقوى بين يديه قبيل الانتخابات. ولكن المخاطرة هنا هائلة والمراهنة كبيرة. الجمهور سيبني توقعات لحرب وقائية ضد القنبلة النووية الإيرانية. تحقيقها مرتبط بالدعم الأميركي وهذا الدعم غير قائم الآن. وتبدُّد هذا التوقع سيظهر رئيس الوزراء شخصية بائسة.
المبادرة إلى مواجهة مع المستوطنين، مثلما فعل (أرييل) شارون، ستعزز «كديما» في نظر ناخبي الوسط، إلا أنها ستحدث أزمة داخلية عميقة، وهناك شك في أن يكون لوريث (إيهود) أولمرت المكانة الشعبية والقدرة السياسية لإمرار مثل هذه الخطوة.
التوجّه المتسرّع للانتخابات قبل تكريس مكانة القيادة الجديدة في نظر الجمهور سيكون انتحاراً سياسياً. أما محاولة تجميد كل شيء وإدارة مفاوضات سياسية عقيمة والتركيز على المسائل الداخلية سيحوّل رئيس الوزراء إلى إحصائي يقوم بإهدار الوقت على كرسيه.
الخيارات المطروحة أمام من سيخلف أولمرت توصل إلى استنتاج: أنه لا مجال لحسد الفائز.