سنتان ونيّف قضاها أولمرت في رئاسة الحكومة. فترة قصيرة نسبيّاً، إلا أنها كانت حافلة بالإخفاقات، لبنانيّاً وفلسطينيّاً وداخليّاً، خرج بعدها من الباب الخلفي للحياة السياسيّة
حيفا ــ فراس خطيب
يحاول رئيس الوزراء إيهود أولمرت أنْ يغادر المعترك السياسي الإسرائيلي مبتسماً رغماً عنه، أن يحتسب كل خطوةٍ، وأن يكون «رسمي التعامل»، بعيداً عن المراوغات السياسية التي امتاز بها. يسعى إلى ترك «انطباع جيد» بعد عناوين منحته صفة «الفاسد». يرغب في «غياب هادئ» بعد فترة ضربتها «العواصف» من كل صوب. ولايته بدأت قبل عامين ونصف بـ«خطاب الأمل»، وسرعان ما اتجهت نحو الحروب الخاسرة، وصولاً إلى أروقة التحقيقات التي وضعت حدّاً لرجل أتقن الصمود بكل أشكاله حتى نفاد مخزونه.
لم يكن أولمرت، قبل تولّيه رئاسة الوزراء بشهور، سياسياً مهمّشاً، لكن لم يكن اسمه مطروحاً لرئاسة الوزراء. كان مستغلاً للمواقف، وسياسياً مخضرماً بامتياز. عندما استعرت الحرب بين أرييل شارون والمتمردين عليه في «الليكود»، اختار أولمرت أن يكون إلى يمين شارون. وعندما قرّر الأخير تأسيس «كديما»، كان أولمرت (وتسيبي ليفني) مثل ظله. كان يعي أنَّ منافسة شارون مستحيلة، وخاض معارك مبطّنة ضد ليفني على هوية «الرجل الثاني». ليفني لم تحارب كثيراً، لم تتوقع أصلاً غياب شارون بهذه السرعة.
عندما غاب شارون، خاض أولمرت الانتخابات على رأس «كديما»، منطلقاً من «ظلال الغياب» وفاز بـ29 مقعداً، وألَّف الحكومة. دخل إلى مكتب رئاسة الوزراء حاملاً خطة «التجميع» الأحادية الجانب في الضفة الغربية المحتلة، والقاضية بتجميع المستوطنين الإسرائيليين في الكتل الاستيطانية الكبرى. حاول داخلياً بناء «حكومة الأولويات الاجتماعية»، وعيَّن عامير بيرتس، الآتي من مكاتب نقابات العمال (الهستدروت) وزيراً للدفاع في دولة «الجنرالات»، قبل أن يتقن المصطلحات العسكرية، وعيَّن صديقه المقرّب أبراهام هيرشزون وزيراً للمال.
في الخامس والعشرين من حزيران 2006، بدأت شرارة العواصف الأولى؛ أسر الفلسطينيون الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط، وشنَّ الجيش الإسرائيلي عملية لـ«استعادة الجندي». في الثاني عشر من تموز، وقع جنديا الاحتياط الداد ريغيف وإيهود غولدفاسر في أسر حزب الله، واندلعت حرب لبنان الثانية قبل أن تحقق عملية غزّة هدفها. ومع نهاية حرب لبنان الثانية، سقطت خطة «التجميع»، وبدأ أولمرت معركة البقاء، لا في مواجهة «حماس» ولا حزب الله، بل في مواجهة المعارضة الحكومية له، وتقرير لجنة فينوغراد الذي كان مثل غيمة سوداء فوق حكمه.
بعد نهاية الحرب، ومع بداية العام الجديد 2007، قدَّم قائد هيئة الأركان الإسرائيلية دان حالوتس استقالته. وأجرى حزب «العمل» انتخابات تمهيدية، واستبدل بيرتس بإيهود باراك. ومع صدور التقرير الجزئي لفينوغراد، تعرّض أولمرت لانتقاداتٍ شديدة من المعارضة والحكومة، وطالبته تسيبي ليفني بالاستقالة من منصبه، لكنَّها واصلت الجلوس إلى جانبه، وجرّت نحوها الانطباعات الإعلامية السلبية.
اختار أولمرت، المتمرّس السياسي الأكبر، تجاهل الانتقادات والتهديدات وعدم الاستقالة من منصبه. في خضم المعترك ضده، ضمَّ باراك إلى الحكومة بدلاً من بيرتس، ليكون الأخير «شريكاً في المغامرة»، ما منح الحكومة استقراراً أكبر. صمد أولمرت حتى الجزء الثاني من التقرير النهائي لفينوغراد، لكنَّ وقْع الأخير كان أخفّ حدة، وأولمرت الذي مرّ الجزء الأصعب، كان من السهل عليه النظر من حوله والاستمرار، فلا أحد من الائتلاف الحكومي كان معنياً بانتخابات مبكرة.
أراد أولمرت لملمة الحطام بعد العواصف، أن يستعيد شعبيته الزائلة من ناحيةالجمهور. ألقى خطاباً قال فيه «أنا رئيس حكومة لا أتمتع بشعبية». وتابع «لكن هذا مكان عملي». وفي خليط من العواصف والسعي لتسجيل إنجاز قد يعيد إليه الشعبية في «مكان عمله»، وقعت سياسته في شرك الرمادية، وامتازت بـ«اللاحلول»: مفاوضات من دون إنجاز مع الجانب الفلسطيني، وأخرى غير مباشرة مع السوريين. وبين هاتين المرحلتين، انفجرت قضية الفساد في أيار 2008، بشأن تلقّيه أمولاً بشكل غير قانوني من رجل الأعمال الأميركي موشيه تالنسكي. توالت بعدها قضايا أصعب وأخطر، جرّت أولمرت نحو إعلان نيته الاستقالة.
بعدها بدأ العد التنازلي لحياته السياسية. حتى أعلن أنه لن يرشح نفسه لرئاسة «كديما»، وسيستقيل بعد انتخاب خليفة له. فعلها أولمرت، لم يكن أمامه خيار آخر سوى أن يغادر. وقد نشرت صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أمس، رسماً كاريكاتيرياً تظهر فيه رئيسة الحزب الجديدة تسيبي ليفني واقفة إلى جانب مكتب أولمرت تنظر إليه بغضب، فيما كان يبرر لها وجوده بالقول معتذراً: «سآخذ بعض المظاريف وأمضي».