1.2 مليون لبناني فقير ينتظرون الدعم في الواقع لا على الورقعندما تسلّم مهمّاته في وزارة الشؤون الاجتماعية، لأول مرّة، أعلن الوزير ماريو عون أنه يتعرّض للضغوط من أجل التوقيع على اتفاقية مع البنك الدولي لإعداد دراسات تتناول الفقر في لبنان وتحسين استهداف الفقراء وتطوير برامج الحماية الاجتماعية، بكلفة إجمالية تبلغ 6 ملايين دولار... الضغوط نجحت، على ما يبدو، والوزير عون سيوقّع قريباً، والحكومة ستقرّ الاتفاقية
يقرّ مجلس الوزراء في جلسته المقبلة اتفاقية هبة مع البنك الدولي بقيمة 6 ملايين دولار لتمويل دراسات اجتماعية مختلفة تعود إلى الوزارات والمؤسسات المعنية بمكافحة الفقر وتأمين الحماية الاجتماعية والصحية والتعليم، وتغطّي هذه الاتفاقية المرحلة الثالثة من مشروع «الطوارئ لدعم تنفيذ الحماية الاجتماعية»، الذي تمّ إقراره في إطار تعهّدات باريس 3، علماً بأن المرحلتين السابقتين تم تنفيذهما، وبلغت كلفة الدراسات فيهما أكثر من مليون دولار، واقتصرت النتائج على إعداد اقتراحات لتأمين التوازن المالي في فرع ضمان المرض والأمومة في صندوق الضمان، ووضع استمارة قياس وتحديد الفقراء في لبنان، التي ستنفّذ في المرحلة اللاحقة بالتعاون مع وزارة الشؤون الاجتماعية، وتهدف إلى اقتراح آليات محددة لاستهداف الفقراء مباشرة ببرامج بديلة تحل محل الآليات المعتمدة حالياً، التي تتّسم بالتّشتّت والهدر والانحراف عن الأهداف المصمّمة لها، باتجاه شمول الفئات غير الفقيرة.
أوضح وزير الشؤون الاجتماعية ماريو عون لـ«الأخبار» أن جملة تساؤلات سبّبت تأخير موافقته على إجراء هذه الدراسات، إذ بدا أن هناك إصراراً كبيراً عليها من البعض، وهذا يدفع إلى الشك، ما دام الجميع يعلم بأن أيّ مشروع لا يمرّ من دون «عمولات»... إلا أنه اضطرّ إلى الموافقة الآن لأن وزارة المال أبلغته بوجود حدود زمنية وإلا فستلغى الهبة، فضلاً عن أن الخزينة العامة لن تتحمل أي أعباء، إذ إن البنك الدولي هو الذي سيموّل الدراسات المقترحة... ورداً على سؤال، قال «لا أعرف أين ستذهب هذه الأموال، لكنني فرضت حضور مندوب من الوزارة لكل الاجتماعات المتعلقة ببرنامج دراسة الفقر في لبنان، حتى نعرف ما يحصل».
تتوزع الدراسات المشمولة بهبة البنك الدولي على الضمان الاجتماعي (2.2 مليون دولار) ووزارات: التربية (1.1 مليون دولار)، الصحة (700 ألف دولار) والشؤون الاجتماعية (2 مليون دولار)، وستوضع هذه الدراسات بتصرّف الحكومة لإعداد وتنفيذ آليات تستهدف فئات محددة بإنفاقها الاجتماعي... وعلى الرغم من أهمية ذلك، إلا أن بعض المعنيّين طرحوا أسئلة محددة عن الأكلاف المرتفعة، فكانت الأجوبة من الجهات المعنية تفيد بأن الرواتب التي يدفعها البنك الدولي مرتفعة جداً قياساً على متوسّطات الرواتب في لبنان!
وقال مصدر معنيّ بمناقشة هذه الدراسات «إن مبلغاً بقيمة 6 ملايين دولار يمكن أن يموّل مشاريع ميدانية تستهدف الفقراء في لبنان، بدلاً من الاكتفاء بدراسة أوضاعهم، إلا أن الحكومة السابقة وافقت على وجهة صرف الهبة، «وإذا كانت النتائج ستوضع على الرّف كالعادة، فسيكون الأمر بمثابة تمويل آخر مهدور لمصلحة قلّة قليلة من المستفيدين».
وكانت دراسات وتقارير سابقة قد أثبتت أن ظاهرة الفقر في لبنان تتجه أكثر فأكثر نحو ضمّ فئات جديدة، إذ قدّرت دراسة لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي أن عدد الفقراء ارتفع بنسبة 5% على الأقل بين عامي 2004 و2007، وأصبح أكثر من 30% من اللبنانيين يعيشون بأقل من 4 دولارات يومياً، أي حوالى 1.2 مليون لبناني، فيما ارتفعت نسبة الذين يعيشون بأقل من 2.4 دولار يومياً إلى 8.5% من مجموع اللبنانيين المقيمين، أي حوالى 340 ألف لبناني.
هذه الظاهرة الآخذة في الاتّساع، لم تحظَ بالاهتمام الرسمي، على الرغم من ارتفاع حجم الإنفاق الاجتماعي في الموازنة العامة، إذ يعتقد البنك الدولي أن المشكلة تكمن في عدم وصول الدعم إلى من يحتاجه فعلياً، فالحكومة تتدخل عبر مروحة واسعة ومشتّتة من البرامج العامة التي توفّرها أكثر وزارة وإدارة رسمية ومؤسسة عامة، مثل دعم الكهرباء، والخبز والمازوت أحياناً، والخدمات التعليمية والصحية، والقطاعات مثل الزراعة... وكل ذلك من دون وجود قاعدة معلومات واضحة وموثوقة، أو مسح شامل لأوضاع الأسر اللبنانية، ومن دون معرفة مدى فاعلية هذا الدعم على الفئات المستهدفة، أو من دون معرفة ما إذا كانت هذه الفئات تحصل أصلاً على الدعم الذي يعنون باسمها... إذ إن وزارة الشؤون الاجتماعية، على سبيل المثال، تنفق أكثر من 65% من موازنتها على برامج دعم وتمويل للمؤسسات والجمعيات الأهلية، وتوقّع سنوياً عقود إيواء ورعاية اجتماعية مع حوالى 350 مؤسسة وجمعية، بكلفة تبلغ أكثر من 65 مليار ليرة، فضلاً عمّا بين 4 مليارات و6 مليارات ليرة للعقود المشتركة، وذلك من أصل موازنة لا تتجاوز 107 مليارات ليرة. وبحسب المعلومات، فإن بعض هذه المؤسسات يستفيد من عقود بقيمة 10 مليارات ليرة سنوياً، أي ما نسبته 15 في المئة من مجمل الإنفاق على هذا النوع من العقود، وما نسبته 10 في المئة من مجمل موازنة الوزارة على البرامج الاجتماعية. والمعروف أن الوزارة تدفع تسعيرة إيواء تتراوح ما بين 1200 دولار و1500 دولار عن كل شخص تتكفّله جمعية أهلية أو مؤسسة اجتماعية وذلك بحسب وضعيّته (يتيم، مدرسة داخلية، ذو احتياجات خاصة...)
ويريد البنك الدولي من هذه الدراسات التي يموّلها اقتراح آليات جديدة تسمح بوضع معايير للفقر وقياس عدد الفقراء ومميزاتهم وحاجاتهم بدقّة، كما تسمح بمعرفة كيفية توزيع الدعم وأنواعه من خلال مسح شامل، وهذا يساعد، برأي البنك، على تغيير برامج الدعم جذرياً، وهو ما يثير حفيظة بعض الجمعيات المتعاقدة مع وزارة الشؤون الاجتماعية التي تستفيد من العقود، والتي حاولت بدورها الضغط على الوزارة والبنك الدولي لمنع إنجاز هذه الدراسات.
وتفيد مسوّدة مشروع البنك الدولي بأنه سيحاول، من خلال دراساته، أن يدمج مشاريع الدعم الرسمية في برنامج واحد. وبحسب كبيرة مديري البرامج الاجتماعية في البنك الدولي حنين السيد، فإن الآلية الجديدة ستوسّع تغطية الفقراء كما ستخفف من هامش الخطأ والاستثناءات، مشيرة إلى أن محور العمل في مشروع الحماية الاجتماعية حالياً يتركز في وضع استمارة الفقر وكيفية إجراء مسح شامل، لأن الإحصاءات الحالية مأخوذة من المسح الشامل للأسر اللبنانية الذي صار قديماً نسبياً.
(الأخبار)


21 في المئة

هي نسبة النفقات الاجتماعية من الناتج المحلي الإجمالي، والتي يتم تمويل أكثر من 70% منها عبر الأسر والقطاع الخاص والأهلي، فيما تقدّر نسبة مساهمة الدولة بحوالى 6% من إجمالي الناتج.


خيارات الدعم