تونس | فجأة قفز «معبر الذهيبة» (محافظة تطاوين أقصى جنوب شرق تونس) إلى عناوين نشرات الأخبار والصحف. وتصدّر السعي إلى اخماد الاحتجاجات في الجنوب اهتمامات الحكومة الجديدة، التي يبدو أنها لم تجد إلا الحل الأمني سبيلاً لمواجهة الأزمة الناشئة.خلال الليلة الفاصلة بين يوم الجمعة ويوم السبت الماضيين، يُقدِم عناصر أمن في منطقة الذهيبة الحدودية مع ليبيا على ايقاف شاحنتين محملتين بالبضائع المهربة. تبع ذلك توافُد الأهالي على مركز الأمن مطالبين بالافراج عن الشاحنتين، الأمر الذي جرى فعلاً، لكن الاحتقان لم ينته.
صبيحة اليوم التالي، يتجمع مواطنون في ساحة المدينة ويواصلون احتجاجهم، لا دفاعاً عن المهربين في منطقة يقتات أهلها بعائدات التهريب، ولكن بهدف مطالبة الدولة بالالتفات إليهم والإصغاء إلى مطالبهم. العنوان العريض للمطالبات يرتبط بالتنمية، فيما تتصل المطالبات المباشرة بإلغاء الإتاوة المفروضة على العابرين إلى ليبيا (قدرها 30 دينارا أي نحو 15 دولارا)، التي ردت عليها القوات الليبية المسيطرة على المعبر (فجر ليبيا) بإتاوة مضاعفة (60 ديناراً) على التونسيين العابرين إلى أراضيها.
يبدو أنّ الدولة التونسية لا تتذكر مواطنيها في الجنوب إلا نادراً

الناشط الحقوقي، مبروك كورشيد، وهو ابن المنطقة، يشرح لـ»الأخبار» أنّ القوات المسيطرة على الجانب الليبي عمدت أيضاً إلى ختم جوازات التونسيين بالختم الأحمر، ما يعني منعهم من العودة مجددا إلى هناك وقطع مورد رزقهم.
عموماً، لا تتذكر الدولة التونسية مواطنيها في الجنوب إلا نادراً: في زمن الاحتجاجات أو الاضرابات أو عند توقف المعابر الحدودية عن ضخ السلع والأموال. قد يبدو الكلام انطباعياً، لكنه قطعا ليس كذلك.
عند زيارة المنطقة، تكاد لا تجد بنية تحتية، إلا ما يغطي الطريق الطويل المؤدي إلى المعبر الحدودي، إضافة إلى مشاهدة بيع السلع المهربة علناً في الطرقات العامة، وهي مصدر رزق الأهالي الرئيسي. ويحدث ذلك في ظل غياب شبه تام للمرافق العمومية، عدا تلك الإدارية التي تقدم خدمات بسيطة جداً، ليضطر السكان المحليون إلى التوجه إلى «عاصمة الجنوب»، صفاقس، أو إلى العاصمة تونس، لاستخراج الأوراق الادارية أو التداوي أو ارتياد الجامعات. ويبقى «معبر الذهبية» الفاصل بين الدولتين (تونس وليبيا) النقطة الحية الوحيدة في المنطقة.لم تخمد الاحتجاجات هناك برغم محاولات الشرطة التونسية السيطرة عليها، وذهب ضحيتها الشاب صابر المليان (23 عاماً)، إضافة إلى جرحى من الأهالي والشرطة، وحرق مركز الشرطة. وعمت الفوضى وانتشرت الاطارات المطاطية المحروقة في كل ارجاء الذهيبة، واجتمعت مجمل مكونات المجتمع المدني هناك، وأعلن «الاتحاد العام التونسي للشغل» الاضراب العام (يوم الاثنين الماضي)، فتوقفت الحياة تماما.ومن جهتها، أعلنت الحكومة الجديدة، صبيحة اليوم ذاته، تعليق العمل بالإتاوة والتحقيق في أعمال العنف، مشيرة إلى ضرورة اليقظة من أن تمنح الفوضى فرصة لـ»الارهابيين» للعبور إلى الأراضي التونسية، نتيجة تركيز الجهد الأمني على تطويق الاحتجاجات.
عضو مجلس النواب عن محافظة قبلي الجنوبية، زهير المغزاوي، يوضح لـ «الأخبار»، أن «تناسي الدولة لتلك المنطقة التي تعيش على التهريب أساسا، دفع المواطنين للخروج إلى التظاهر... ليس حبا في التهريب، إنما لتذكير الدولة بأن لها رعايا هناك». ويضيف أن «الذهيبة تعيش تحت خط الفقر. أبناء الجهة هم من يتولون إقامة بعض المشاريع التنموية من أموالهم الخاصة، وأغلب شبابها يهاجر أو ينتقل للعاصمة بحثا عن عمل».
ويشرح المغزاوي خلال حديثه سبب الاحتقان، قائلا إنّ «المواطنين ينتقلون إلى ليبيا عبر ذلك المعبر، لجلب بعض البضائع وبيعها، وعندما فرضت الدولة الاتاوة الجديدة قلصت من هامش ربحهم... وهو ما ضايقهم واضطرهم إلى التظاهر والاحتجاج». ويستطرد بالقول: «المهربون الكبار أو بارونات التهريب لا يمرون عبر المعبر، بل يتنقلون عبر الصحراء، وبعضهم متورط في جلب الاسلحة من ليبيا وبيعها للمتطرفين وهذا أمر ثابت، لكن الدولة لا تتحرك... ونرجو أن يكون سبب ذلك ضعف الإمكانات لا ضعف الارادة السياسية».مبروك كورشيد يرى خلال حديثه إلى «الأخبار» أنه يجب «إبرام عقد معنوي بين السلطة وأهالي الجنوب»، ينص على الالتزام بجلب الاستثمارات لهذه المناطق، وخصوصاً في ظل حساسية الموقع الجغرافي لهذه المناطق، التي تسعى بعض الاطراف إلى إقحامها في الصراع الدائر في ليبيا.