تُظهر المعطيات السياسة أن الأحزاب الثلاثة الكبرى في إسرائيل، «كديما» و«العمل» و«الليكود»، تُطبّق النهج نفسه في المجالين السياسي والأمني، الأمر الذي ينفي أي ضرورة لإجراء انتخابات جديدة، لأن السياسة والسلوك والنتيجة ستكون نفسها
هآرتس ــ عوزي بنزيمان
بعد الانتخابات التمهيدية في «كديما»، جاء موعد تأليف حكومة جديدة. إلا أن الأحزاب التي تكوّن الائتلاف الحالي لا تسارع إلى التوحّد خلف تسيبي ليفني وتفضّل بدلاً من ذلك تهديد الجمهور بالانتخابات الجديدة.
«كديما» و«العمل» و«الليكود» هي أحزاب مع اسم وماركة مسجلة، أكثر من كونها منظمات سياسية ذات نهج سياسي واجتماعي مميز. هذا التشخيص يبدو بديهياً عند التمعن في «كديما»، ولكنه ينطبق أيضاً على الحزبين المنافسين. لا حاجة إلى الإسهاب في الحديث عن «كديما»: هذا الحزب تكوّن في حملة مبيعات آخر الموسم، التي رمت إلى جني الأرباح من الأجواء الشعبية السانحة. هذا الحزب اجتذب إلى صفوفه أعضاءً من كل حدب وصوب، وقام بصياغة برنامجه على عجل واندفع نحو صناديق الاقتراع لقطف المحصول. «كديما» هو ثلة عابرة من الأشخاص الذين لا يوجد أي قاسم مشترك بينهم ــ باستثناء استغلال الفرصة التي سنحت لهم في عام 2006 حتى يكونوا من قيادة الدولة.
للوهلة الأولى يبدو وضع حزبي «العمل» و«الليكود» مختلفاً: هذان حزبان سياسيان مع جذور راسخة عميقاً في المجتمع الإسرائيلي وتاريخه. لديهما فلسفة مستمدة من المذاهب السياسية والاجتماعية المتبلورة، التي كانت قائمة في عهد قيام الدولة وعدلت وتنامت طوال سنواتها الستين. إلا أن عملية ملاءمة الايديولوجيا في «العمل» و«الليكود» مع الواقع قادت هذين الحزبين إلى مربع واحد، وهما يقترحان على الجمهور بضاعة سياسية متشابهة.
الأمر لا يقتصر فقط على وجود مناهج مختلفة داخل كلٍّ من هذين الحزبين، بل أيضاً هناك شخصيات اختارت الانضمام إلى صفوفهما لأسباب منفعية صرفة وأصبحت من ضمن قيادتهما ــ ولكن في لحظة الحقيقة، يرد قادة هذين الحزبين على ضرورات الواقع بطريقة مشابهة. وهكذا وجد بنيامين نتنياهو اليميني ظاهرياً نفسه مضطراً إلى توقيع اتفاق الخليل واتفاق واي بلانتيشن، عندما كان رئيساً للوزراء. أما وزير الدفاع عامير بيرتس، الرمز اليساري في حزب «العمل»، فقد مارس سياسة أمنية جبروتية تجاه الفلسطينيين بشكل يتناقض مع موقفه الأساسي منهم. ايهود باراك، المتقوقع في يمين الوسط داخل حزبه، أوشك على توقيع مسودة اتفاق طابا عندما كان رئيساً للوزراء، هذا بينما وافق قادة «الليكود» على قرار قائدهم، ارييل شارون، بالانسحاب من قطاع غزة وهدم المستوطنات اليهودية هناك.
«كديما» و«العمل» و«الليكود» هي أحزاب اضطرت عندما كانت في الحكم للتراجع عن التزاماتها بعقائدها الأساسية ومع ذلك لم تمتلك الجرأة لتخليص اسرائيل من الشرك الذي تغرق فيه منذ حرب الأيام الستة. قادة «كديما» يدركون أن فصل اسرائيل عن المناطق هو البلسم الوحيد الشافي من المصيبة التي علقت بها، ولكنهم خلال سنوات حكمهم خافوا من ترجمة هذا التبصر إلى حيز الفعل.
قادة حزب «العمل» تصرفوا بالطريقة نفسها، وكذلك قادة «الليكود»، ونتنياهو من ضمنهم. الأحزاب الثلاثة تطبق إذن نهج العمل نفسه في المجالين السياسي والأمني: عندما تصل هذه الأحزاب إلى الحكم، تكتفي بالإدارة الجارية لشؤون الدولة وتكريس الوضع القائم؛ هذه الأحزاب تفتقد الجرأة في إحداث تغيّر جذري، ولذلك تعدّ «الثرثرة السياسية»، كما قالت ليفني، في هذه الأيام مسألة لا لزوم لها ومثيرة لمقت الجمهور تجاه السياسة. لا حاجة إلى إجراء انتخابات جديدة للكنيست لأنه كائناً من كان المنتصر فيها فستكون السياسة نفسها.