10% يسيطرون على 70% من الرخص... والتخمين خاضع لـ«الواسطة»!سلطانة متيرك
الخوف يبثّ ذبذباته في نفوس مزارعي التبغ في الجنوب، والسبب اتجاه نحو إتلاف الموسم الحالي، وذلك بعد تراجع كبير تشهده هذه الزراعة في المناطق الجنوبية. إذ يحول انتشار مئات القنابل العنقودية، التي خلّفها العدوان الإسرائيلي في تموز 2006، دون قدرة المزارعين على حصاد إنتاجهم، يضاف إلى ذلك تراجع نسبة هطول الأمطار خلال العام الجاري. ولا تنحصر معاناة مزارعي التبغ بسوء الأحوال الطبيعية، ولا تتوقف عند قنابل مغروسة في بساتينهم، بل تمتد إلى إهمال متعمّد من الحكومات المتعاقبة لهذه الزراعة الحيوية، ليصل إلى سيطرة 10 في المئة من المحظيّين على رخص زراعة التبغ في الجنوب، ولا ينتهي بشكاوى المزارعين من شركة «الريجي» التي تميّز بين مزارع وآخر في تخمين أسعار المحاصيل «كل حسب واسطته»!

قنبلة موقوتة

ففي ظل الظروف المعيشية الصعبة، بات صمت مزارعي التبغ قنبلة موقوتة تنفجر حين تصبح الظروف مهيّأة، هذا الاستنتاج يؤكّده الرئيس السابق لنقابة مزارعي التبغ محمد جمّال، الذي يشير إلى أن بساتين التبغ في الجنوب كانت مسرحاً لنضال المزارعين والأهالي، ومنها انطلقت الاعتراضات والاحتجاجات على السياسات المتبعة من الحكومات المتعاقبة والمتعارضة مع مصلحة المزارعين، وقد أسفرت هذه النضالات عن سقوط العديد من الشهداء. ويردّ جمّال أزمة مزارعي التبغ إلى سنوات بعيدة، ففي عام 1936 حصلت انتفاضة بنت جبيل بوجه الاحتلال الفرنسي، وذلك من أجل إعادة النظر بدفتر الشروط الذي وضعه المفوّض الفرنسي والحكومة آنذاك والمتعلقة بتسليم محصول التبغ إلى الدولة، والتي راكمت منذ عشرات السنين تبعية وإذلالاً لعرق المزارعين، فبات أمام المزارع الصغير أو الفقير الارتباط القسري بهذا الزعيم أو ذاك الوجيه، والارتهان لذوي الشأن الذين درّت عليهم رخصهم الثروات المجانية.
ويوضح جمّال الأسباب التي دفعت مزارعي التبغ، في الجنوب بشكل خاص، للارتهان إلى قوى الأمر الواقع بقوله «لا غرابة في ذلك إذا وجدنا من خلال الاطلاع على الرخص المعطاة أنّ 70 في المئة من المزارعين يملكون من دونم واحد إلى خمسة دونمات من الأراضي، فيما 20 في المئة يملكون من خمسة دونمات إلى عشرين دونماً، و10 في المئة يملكون 70 في المئة من الرخص المعطاة لزراعة التبغ، علماً بأن الرخصة تحدد مساحة الأرض بـ 50 دونماً كحد أقصى. ويدعو جمّال الحكومة الحالية «إلى حماية مزارعي التبغ، على أن يبقى السياسيون وكبار الملاكين، وشركة الريجي خارج المحمية الزراعية وألا يلعبوا مع المزارعين لعبة الفأر والجبنة».

المزارعون يشكون من «الواسطة»

ولا تنحصر المعاناة بإجبار المزارعين على الارتهان للحصول على رخصة، بل تتعداها إلى تكريس لقوانين جائرة بحق المزارعين، ومنها حرمان المزارع من حقوقه في الضمان الصحي والاجتماعي، ويدعو جمّال إلى اتّباع سياسة تبغية تخدم مصلحة المزارع أولاً، لأنه مواطن بالدرجة الأولى ويصيبه شرّ الغلاء أكثر من غيره. ويوضح أن الأسعار المتدنية التي تفرضها شركة الريجي مع وزارة المال لا تفي بتعب الموسم، «فلائحة الأسعار ما زالت على حالها منذ عام 1993 حين عملت النقابة على زيادة نسبة 21% على السعر الذي كان متبعاً قبل هذا التاريخ، ليصبح السعر المتوسط لكيلو التبغ المسلّم إلى شركة الريجي 12 ألف ليرة فقط».
وفي هذا الإطار، ينتقد المزارع أديب جزيني «كيف تتدخل الواسطة بتخمين الإنتاج وتحديد الأسعار»، ويوضح «أن خبير شركة الريجي هو الذي يقرر ويقدر ثمن كل صنف من الإنتاج، وما على المزارعين إلا الموافقة، وهنا تدخل الواسطة والنفوذ. فالمزارع المدعوم يحصل على أسعار مرتفعة ولو كان إنتاجه رديئاً، أما من لا يتمتع بهذا الدعم فيحصل على أسعار متدنية». وجزيني لا يطلب تخمين إنتاجه بأكثر مما يقدّر، بل «إعطاء كلّ ذي حقّ حقّه»، ويضيف «دخاناتي مثل الذهب، الكيلو بيساوي 13 ألف ليرة، بيعطينا الخبير 10 آلاف ليرة فقط». والمشكلة لا تنحصر هنا، إذ يشكو جزيني من مصادرة الريجي جزءاً من الإنتاج دون أيّة تعويضات إذا زاد عن تخمين الوزن بمئة كيلوغرام للدونم، أما إذا نقص الإنتاج عن معدله فيدفع المزارع ثمن الكمية الناقصة. وتشير عفيفة، التي تساعد الجزيني بشك الدخان، إلى أننا «منذ كانون الأول حتى آذار نذهب إلى مركز تسليم المحصول أكثر من ثلاث مرات ومن دون أن نحصل على نتيجة، وفي كل مرة ينخفض سعر الكيلوغرام الذي تخمّنه الريجي بسبب طول فترة مكوث المحصول في مراكز التوضيب، حتى يصل سعر الكيلوغرام إلى أربعة آلاف ليرة!».
الشكوى نفسها تتكرر على لسان المزارع أحمد شرقاوي فهو ينتقد سلوكيات خبير التخمين الذي «يعتمد الواسطات في عمليات التخمين». ويلفت شرقاوي إلى أن «هذه الزراعة التي تحتاج إلى عمل ومتابعة طوال العام لا تدرّ على المزارع تعبها»، ويتابع «حرمونا من أيّ ضمانات صحية واجتماعية منذ عشر سنوات. وُعدنا بالانتساب إلى الضمان وعالوعد يا كمّون»، ويلفت إلى أن «وزارة الزراعة غائبة عن مطالب المزارعين، ولا تريد الالتزام بتقديم الخدمات، وخصوصاً أن الأسعار المتدنية التي تفرضها شركة الريجي على شراء التبغ بالاتفاق مع وزارة المال لا تسدّ رمقاً بسبب ارتفاع كلفة الإنتاج»، مطالباً بتحديد الأسعار كل عام بما يتناسب مع ارتفاع كلفة الإنتاج.
أما المزارعة زينب قاسم فتقول «تلف موسمنا في حرب تموز ولم تبادر الحكومة بأي تعويض يذكر، وبعد أن توجّهنا إلى رئيس نقابة مزارعي التبغ في الجنوب حسن فقيه، قال لنا إنه لا وجود لتعويضات عينية من أيّ جهة حكومية أو أهلية باستثناء 25 مولّداً كهربائياً قدّمت للمزارعين، بينما لفت المدير العام لإدارة حصر التبغ والتنباك ناصيف سقلاوي في مؤتمره الصحافي الأخير إلى مساهمة شركة فيليب موريس بتوزيع 30 مولداً لرش 30 بلدة جنوبية بعد عدوان تموز، إضافة إلى توزيع 4625 حصة مبيدات زراعية، فيما يؤكد المزارعون عدم حصولهم على أي مساعدة من أي جهة!


7 ملايين كيلو

حجم الصادرات السنوية من الإنتاج المحلي للتبغ، فيما تستورد شركة التبغ والتنباك اللبنانية (الريجي) 370 مليون علبة سجائر سنوياً، و12 مليون علبة معسّل، وخمسة ملايين سيجاريللو قيمتها 135 مليون دولار أميركي.


إذلال بلقمة العيش