عرض المخالفات على مجلس الوزراء عيب... فماذا عن إقرارها؟رشا أبو زكي

1- هل إشارة البيان الوزاري إلى مصطلح اعتماد «ديموقراطية الجدارة» في عمليات التوظيف يعني إمكان تغليب الاعتبارات المهنية في الإدارات اللبنانية؟ وما هي هذه الاعتبارات؟ وهل «ديموقراطية الجدارة» قابلة للتطبيق أصلاً؟

ـــــ هذا المصطلح ورد في البيان الوزاري للحكومة السابقة، وعلى ما يبدو فإنه محبب من رئيس الحكومة فؤاد السنيورة، وهو يقوم على ضرورة اعتماد الكفاءة والجدارة في عمليات التوظيف في الإدارات. وهذا المصطلح ضروري، وخصوصاً أن الديموقراطية غير متوافرة بشكل صحيح في السياسة، كما في الإدارة. وقد كلفني مجلس الوزراء، لكوني وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية، وضع آلية لاختيار موظفي الفئة الأولى، وقد سلمتها لرئيس الحكومة، وأرسلت نسخة إلى رئيس الجمهورية... ويبدو أنه يوجد اتجاه في الحكومة للتخلي عن طريقة اختيار الموظفين التي كانت تعتمد سابقاً، والتي كانت تقوم على أن وزير ما يسحب من جيبه ورقة عليها اسم ويناضل أو يقاتل لكي يُوَظّف، أو الطريقة المستخدمة حيث إن الأقوياء في خارج مجلس الوزراء يقومون باتصالاتهم ويختارون أسماءً يبصم عليها مجلس الوزراء، وهذا ما أدى إلى توظيف أشخاص غير أكفياء وغير لائقين وغير جديرين بأن يعينوا في وظائف محددة خلال السنوات الماضية... أمّا الألية الجديدة فتهدف إلى تمكين مجلس الوزراء من اختيار أشخاص للمناصب الشاغرة الآن ولاحقاً من دون اعتبارات حزبية أو طائفية، لكي يأتي بأشخاص أكفياء وأحرار ليخدموا الناس عبر الدولة ولا يخدموا أربابهم، ما يطهِّر الإدارة من نخاسيها وبائعيها، وهذه الآلية إذا أُقرت فستشكل نقلة نوعية في عمليات التوظيف والتعيين. وتقوم هذه الآلية على الأخذ في الاعتبار المستوى العلمي والأهلية العامة في تولي مناصب قيادية، والقدرة على التواصل مع الآخرين والسيرة الوظيفية، إضافة إلى أن الأسماء تكون مخفية عن اللجنة في المرحلة الأولى، إلى أن يُكشَف عنها في المرحلة الأخيرة، وهي مرحلة المقابلات.

2- هذه الآلية سبق أن اعتُمدت في ولاية الوزير جان أوغاسبيان ولم تنجح، فلماذا تريد إعادة اعتمادها؟

ـــــ نعم، هي تشبه الآلية السابقة كثيراً، ولكن الفرق الآن أن مجلس الوزراء هو من سيتخذ القرار، لا رئيس الحكومة فقط، ولجنة التقويم ستكون مؤلفة من رئيس الحكومة ووزير التنمية الإدارية والوزير المعني في عملية التوظيف، وبالتالي فإن رئيس الحكومة سيكون شريكاً وليس مقرراً وحيداً، إضافة إلى وجود تطويرات في آلية الاختيار.

3- ما هي برأيك الثغرات الأساسية الموجودة في النظام الوظيفي في لبنان؟

ـــــ أبرز المشاكل هي في موضوع اختيار الموظفين م السياسيين، كذلك فإن مؤسسات الرقابة الإدارية يجب أن تكون قوية وأن ينصاع لها مجلس الوزراء، وهذا غير محقق حالياً، فديوان المحاسبة من دون رئيس، وهناك شغور في مجلس الخدمة المدنية، وكذلك التفتيش المركزي، وقد تم تجاوز قرارات هذه الهيئات مرات عدة، وأنا أعمل على إعادة الاعتبار إلى هذه المؤسسات الرقابية لتتصرف بحزم وعدم تردد وعدم حياء، وبالتالي سأعمل على ملء الشواغر الموجودة وتقوية هذه المؤسسات، فالتقرير الأخير لديوان المحاسبة كان في عام 2005 ويشير إلى مخالفات ارتكبها 13 وزيراً، ولم يُحاسَبوا، ورئيس الجمهورية استخدم إشارات عدة إلى عدم محاسبة الوزراء، لذلك لا بد من تقوية مؤسسات المحاسبة والرقابة... أما النقطة الثالثة، فيجب على مجلس الوزراء أن لا يخالف القانون، إذ ثمّة قرارات صعبة يجب اتخاذها، حيث يعرض على مجلس الوزراء اقتراحات تتعلق بتسوية مخالفات وصفقات، ومن غير اللائق عرض هذه البنود، فكيف إذا أُقرّت؟ لذا يجب كشف جميع المخالفات التي تتركز على طرق تعيين الموظفين وإعادة تعيينهم وتسوية أوضاع البعض منهم، إضافة إلى مخالفات تثير العجب والدهشة.

4- ولكن مجلس الوزراء غير مترفع عن عقلية المحاصصة، وهو يمثل أصلاً تركيبة سياسية تقوم على توزيع المنافع طائفياً ومذهبياً، فإلى أي مدى يُمكن التعويل على آليات تدعو إلى الكفاءة في التوظيف؟ وهل تتوقع إقرار آلية اختيار موظفي الفئة الأولى من الحكومة؟

ـــــ يوجد سوء استخدام للسلطة، ومن أزمات الإدارة اللبنانية الكبرى التسلط السياسي عليها، وهو غير عاقل واستعبادي وغير آبه، وفي كل الدول التي يعتدُّ بها تكون الإدارة العامة جزءاً مهماً من الناتج الوطني العام يصل أحياناً بين 12 إلى 14 في المئة. أما إسهام الإدارة اللبنانية من الناتج المحلي العام فهو قطعاً أقل من 4 في المئة، لذا المطلوب إدخال منهجية جديدة في تطوير النظم الإدارية وبنية مؤسسات الدولة اللبنانية، وهذا يتطلب مشقة، لأنه يحتاج إلى قبول الوزراء الآخرين المعنيين، إذ يوجد وزراء يرون الوزارة ملكاً لهم، في حين أنه يجب أن يكون هدف الوزراء خدمة الناس، لذا أدعو الجميع إلى التعاون في هذا الموضوع.

5- ولكن من الممكن أن يقف البعض في وجه المشاريع التي تهدف إلى إزالة هذه الذهنية المسيطرة؟

ـــــ إن المواقف الرافضة لهذه المشاريع لا تطالني حصرياً، بل تستهدف أي إنسان إصلاحي، وفي العادة فإن القوى السياسية النافذة المعتادة تسمية الأسماء أو منع وصول أسماء لن ترتاح في ظل وجود منهجية أو آلية علمية للتوظيف، وهناك منابع للمنع أو التعطيل، ولكن أنا اعتمد على حياء الوزراء ووعي الناس ومطالبتهم بالمحاسبة.

6- هل الأحزاب أو القوى التي تتكلم عليها طارئة على مجلس الوزراء أم أصيلة؟

ـــــ من الممكن أن يكون هنالك قوى خارج مجلس الوزراء لها سلطة وقدرة تعطيلية.

7- لكن حالياً لا يوجد أي من القوى النافذة غير ممثلة في الحكومة.

ـــــ هذا صحيح، وفكري العام معروف. أنا لا أقبل ولا أوافق على شيء خارج الدولة، ومن هو خارج البنية الدستورية في الدولة لا أعترف به ولا أقبل أن يكون له سلطة أصلاً، وما يحدث حالياً هو أن السلطة في مكان والشرعية في مكان آخر، والتكتلات القوية ليست موجودة ضمن شرعية الدولة، بل تضغط على هذه الشرعية وتهدف إلى مصادرتها والسيطرة عليها. والواقع أن كلهم داخل مجلس الوزراء، ومن يستشعر في نفسه قوة فائضة قد لا يقبل الآخرين أو لا يلتفت إلى وجود أليات تلتزم معايير الدولة وأصولها، والتوظيف هو أحد الطرق التي تعبِّر عن القوة أمام المحازبين والمناصرين.
كذلك فإن الطوائف تأكل أبنائها الجيدين عبر ذهنية أهل الكهوف، وما أسوأ من ذلك هو أن تأكل أبناءها عبر أحزابها المتسلطة. إذ ليس من المفهوم أن يكون لمذهب معين مناصب في الإدارات العامة، وأنا سأقاتل ضد ذلك. ولكن كلنا مقيدون بأن القرار بمجلس الوزراء الذي إذا استمر بالتفكير بعقله الخلفي بصيغة طائفية ينتج الأزمة نفسها، فالمناهج التفكيرية بين ما يسمى معارضة وما يسمى موالاة هي نفسها في ما يتعلق بالتوزيعات الطائفية والمذهبية، ولا أحد يصدق غير ذلك.

طبائع الطبقة السياسية


«تقدمت بآلية اختيار موظفي الفئة الأولى، أما في ما يتعلق بغير الفئة الأولى، فثمة آليات في مجلس الخدمة المدنية تحتاج إلى تطوير تقنياتها، وهذه الطبقة السياسية لديها طبائع لا تليق بفكر الدولة واستقامتها، لذلك فهي تهتم أكثر بمناصب الفئة الأولى لكونها مناصب قائدة ومؤثرة»