569 مليار ليرة العجز في نهاية هذا العاممحمد وهبةهناك إجماع لدى المتابعين لملفات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي على أن السبب الرئيسي للعجز المالي المتنامي في الصندوق ناتج من قرار سياسي اتخذه مجلس الوزراء في عام 2001 بخفض الاشتراكات بنسبة 42 %. وفي المقابل، يلحظ هؤلاء الارتفاع المستمرّ لكلفة التقديمات لأسباب مختلفة، حتى أصبحت المخاوف جدية من احتمال حصول انهيار مالي «في يوم ما» إذا استمرّ تراكم العجز الذي تجاوز في نهاية عام 2007 مبلغ 407 مليارات ليرة، أي ما يوازي 270 مليون دولار أميركي، مُوّلت من أموال المضمونين ـــــــ فرع نهاية الخدمة خلافاً للقانون، فيما يُتوقّع أن يبلغ العجز في هذا العام أكثر من 569 مليار ليرة، أي ما يوازي 377.4 مليون دولار.
بدأت قصة تنامي العجز في الصندوق عندما جرى الترويج لضرورة اتخاذ قرارات وإجراءات تحفّز الاستثمارات الخاصة، فتركّز الحديث على وجود كلفة مرتفعة على المؤسسات من جرّاء الاشتراكات الإلزامية. وفي أول نيسان من عام 2001، قررت الحكومة خفض معدل الاشتراكات من 15 إلى 9 % في فرع ضمان المرض والأمومة، ومن 15 إلى 6 % في فرع التعويضات العائلية، ما أدى إلى تدني إيرادات الفرعين بنسبة 17% و40% على التوالي، فانخفضت مباشرة من 627.2 مليار ليرة في عام 2000 إلى 394.9 مليار ليرة في عام 2003، فأصبح الصندوق في حالة عجز بنيوي، أي أن الاشتراكات لم تعد تغطي التقديمات، حتى لو أصبحت الجباية 100%.
وجاء قرار الحكومة حينها مستنداً إلى وجود وفر لدى الصندوق يبلغ حوالى 600 مليار ليرة، إلا أن نتائج السنوات الثلاث التالية أظهرت أن هذا الوفر وهمي، ولا وجود له، إذ استنفد كلياً عام 2003، عندما جرت الاستعانة بمبلغ 14.538 مليار ليرة من أموال نهاية الخدمة لتغطية العجز في الفرعين المذكورين، علماً أن قانون الضمان يمنع استخدام أموال فرع معين لتغطية تقديمات فرع آخر.
وبحسب توقعات هذا العام، فإن العجز سيرتفع بقيمة 80 مليار ليرة كحد أدنى، ويضاف إليه عجز فرع الضمان الاختياري البالغ 82 مليار ليرة، ليصبح مجمل العجز المتراكم في نهاية عام 2008 حوالى 569 مليار ليرة، من دون احتساب الاحتياط القانوني المفروض قانوناً بنسبة سدس النفقات لكل فرع...
ويرى خبراء شاركوا في إعداد دراسة عن الضمان لمصلحة البنك الدولي، أن هناك أسباباً أخرى لتنامي العجز في الضمان، منها عدم تصحيح الحد الأدنى للأجور وعدم التصريح عن الأجور الحقيقية من جانب أصحاب العمل، علماً بأن خفض الاشتراكات كان يهدف أيضاً إلى تشجيع أصحاب العمل للتصريح عن أجرائهم كافة وعن أجورهم الحقيقية، لكن إحصاءات الصندوق الأخيرة تشير إلى أن عدد المسجلين في الصندوق براتب 300 ألف ليرة يبلغ 63396 مضموناً من أصل 266874 أجيراً مسجّلاً، وإذا ما أضيفت إليهم الشريحة الثانية التي لا تتقاضى أكثر من 500 ألف ليرة يمثّل مجموعهم 50 في المئة من الأجراء المسجلين في الصندوق. فيما تشير التقديرات الواقعية إلى وجود أكثر من 50 ألف مؤسسة لا تصرّح للضمان عن أجرائها.
وما يزيد الطين بلّة وجود مستحقّات ضخمة غير مسدّدة للصندوق تبلغ حوالى 1500 مليار ليرة (من دون احتساب مبالغ التسوية)، منها 950 مليار ليرة على الدولة... ويجري تمويل العجز من أموال نهاية الخدمة على أساس تسديد المبلغ الأصلي والفوائد المترتبة عليه من مستحقات الصندوق على الدولة، وهذا «لا يمثّل خطراً على الصندوق في الظروف العادية» بحسب رئيس اللجنة الفنية في الصندوق سمير عون، ولكن «محاذيره تصبح كبيرة عندما لا توفر الدولة الحلول للعجز. فالصندوق أُرغم على الاستدانة».
ويقول مستشار رئيس الحكومة لشؤون الضمان والعمال رفيق سلامة إنه لا يمكن أي مؤسسة أن «تعيش عاجزة، والعجز في الضمان يؤثر على أموال نهاية الخدمة»، فيما يرى عون أن الضمان الاجتماعي اللبناني لا ينفرد، بين أنظمة الضمان العالمية، بعجز التغطية الصحيّة، فالكلفة ترتفع بشكل طبيعي سنوياً بما لا يقل عن 7 في المئة، وفي عام 2007 زادت أسعار فاتورة الدواء بما بين 17 في المئة و20 في المئة من أصل 220 مليار ليرة، أي 38 ملياراً، وبالتالي يرى أنه «من غير الممكن نسب الاشتركات أن تلحق بكلفة التطور التكنولوجي في المجال الصحي».
وينتج جزء من هذه الكلفة من غياب سياسة صحية وطنية، فهناك أكثر من ثمانية صناديق ضامنة، وفي ظل فوضى صحية، إذ يوجد في لبنان، على سبيل المثال، 32 جهاز رنين مغناطيسي بمعدل واحد لكل 140 ألف مواطن، فيما المعدل في فرنسا يبلغ واحداً لكل نصف مليون مواطن!.
وهناك فوضى في داخل إدارة الصندوق نفسه، وهذا يتبيّن من خلال النسبة المرتفعة من الموافقات المؤخرة للاستشفاء، إذ إن المضمون يلجأ إلى دخول المستشفى عبر الطوارئ لإجراء فحوص مخبرية أو أعمال طبية عادية، وذلك لكي يتفادى الانتظار الطويل لاستعادة أمواله، وقد سبق للصندوق أن اكتشف أن المستشفيات الجامعية تموّل أبحاثها عبر الضمان، فبعضها يجري 16 فحصاً لكل مريض يدخل إلى المستشفى، ولذلك بلغ متوسط كلفة الاستشفاء للمضمون في عام 2007 نحو 1.130 مليون ليرة.
ويطرح كثيرون الحلول، ولكن أبرزها ما يشير إليه رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن بالنسبة إلى عجز فرع التعويضات العائلية، إذ يدعو إلى إلغاء الفرع وتضمين متوسط التعويض المدفوع مباشرة في راتب الموظف أو العامل.
ويقترح مستشار رئيس الحكومة لشؤون الضمان والعمال رفيق سلامة اتخاذ تدابير متصلة بمبدأ «محدودية الموارد مقابل الحاجات، وتصويب التعويضات عبر وقف استفادة الشرائح ذات الأجور المرتفعة أو خفض عدد الأولاد المستفيدين»، ولكنه يشير إلى أن «نسب زيادة الاشتراكات المقبولة من أصحاب العمل قد لا تؤمّن التوازن المالي للضمان الصحي».
لكن الدراسة التي يقوم بها الضمان بتمويل من البنك الدولي وأعدها الخبير الاقتصادي كمال حمدان والاكتواريون إبراهيم مهنا وبشارة حنا، تقدّم سيناريوات عدة أبرزها زيادة الاشتراكات، أو رفع سقف الاشتراكات إلى أكثر من 3 ملايين ليرة، أو مزيج من الاثنين، لكن الأصح انتظار زيادة الحد الأدنى والأجور لتحديد النسب الباقية.


950 مليارة ليرة

هي قيمة ديون الدولة للضمان حتى نهاية 2008، وهي تتوزع بين اشتراكات عن أجرائها وبين مساهمتها في التقديمات الصحية البالغة 25%


414582 مضموناً

هو عدد المنتسبين إلى الضمان،
بمعدل 2.5 على عاتق الأجراء، و1 على عاتق الطلاب، وأعلى من 3 لدى الاختياريين، المخاتير والسائقين العموميين


القدرة على الصمود