أطلق إيهود أولمرت، مع إعلانه نيّة الاستقالة من منصبه عشيّة الانتخابات المقررة لرئاسة حزب «كديما»، الشهر المقبل، مرحلة من عدم الاستقرار السياسي في إسرائيل، يتوقّع المراقبون أن تنتهي إلى انتخابات تشريعية جديدة في ظل ضآلة فرص أيّ من خلفائه بالتمكن من تأليف حكومة بديلة

سيناريوات ما بعد السقوط



محمد بدير
لم تكن الحرب على خلافة إيهود أولمرت داخل «كديما» تنتظر إعلانه الاستقالة كي تقرع طبولها، مؤذنة ببدء صراعٍ يتجاوز منصب الرئاسة إلى مستقبل الحزب نفسه؛ فقادة الحزب، الذي يودّع رئيسه الثاني خلال أقل من ثلاثة أعوام على تأسيسه، يدركون أن تنحّي أولمرت، وبرغم أنهم سعوا إليه طويلاً، سيُدخل الحلبة السياسية في إسرائيل في مرحلة ضبابية مفتوحة على احتمالات سوداوية بالنسبة إليهم، تراوح بين فقدانهم السلطة وتفكك الحزب، ما لم يتمكنوا من استعادة زمام المبادرة عبر تأليف حكومة جديدة، الأمر الذي يبدو أن دونه علامات استفهام.
فقد اتخذ أولمرت، الذي يدرك جيداً توازنات القوى في السياسة الإسرائيلية الداخلية، قرار الاستقالة وهو يعلم أن فرص تمكن أيٍّ من ورثته المحتملين في تأليف حكومة بديلة تكاد تكون معدومة، في ظل التعقيدات الائتلافية التي تعاني منها الخريطة الحزبية في إسرائيل.
ويتنافس على خلافة أولمرت أربعة من كبار مسؤولي «كديما» هم: وزير المواصلات شاؤول موفاز، وزيرة الخارجية تسيبي ليفني، وزير الداخلية مئير شطريت ووزير الأمن الداخلي آفي ديختر. وتجمع الأوساط الإسرائيلية على أن المنافسة الفعلية ستكون بين كل من موفاز وليفني بوصفهما المرشحين الأكثر حضوراً واستقطاباً وسط كتلة الحزب البرلمانية وقاعدة منتسبيه. وفيما يميل معظم أعضاء كتلة «كديما» إلى تأييد ليفني بسبب شعبيتها التي يرون أنها تزيد من حظوظ فوز الحزب في انتخابات تشريعية قد لا تكون بعيدة، يراهن موفاز في معركته الانتخابية على دعم أعضاء الحزب العاديين وقد عمل خلال الأشهر الأخيرة على تمتين صلاته بهم. كذلك فإن موفاز سيتمتع بتجيير قوة الشرائح الموالية لأولمرت داخل الحزب لمصلحته، برغم إعلان الأخير في خطاب الاستقالة، أول من أمس، نيّته عدم التدخل في انتخابات الحزب الرئاسية المقررة في السابع عشر من أيلول المقبل.
وفي وقت شرع فيه المرشحان ببلورة تحالفاتهما الانتخابية تمهيداً لخوض معركة رئاسة الحزب في الموعد المذكور، فإن التقديرات السائدة في إسرائيل ترى أن كرة الثلج التي أطلقها أولمرت في خطابه قد لا تتوقف عن التدحرج عند إنجاز هذا الاستحقاق في ظل التشكيك بقدرة أيٍّ من المرشحين، في حال فوزه، على تأليف حكومة بديلة لأسباب تتعلق بتضارب المصالح السياسية والحزبية.
فموفاز، الذي جعل من ماضيه الأمني أهم رافعاته الدعائية في حملته الانتخابية، أقدر بـ«صقوريته» على استمالة حزب «شاس» وبقية أحزاب اليمين (ومن بينهم حزب «إسرائيل بيتنا» برئاسة أفيغدور ليبرمان) للمشاركة في حكومة يرأسها، وهو برأي مراقبين سيفعل أي شيء لتحقيق هذا الخيار رغم التداعيات السلبية لذلك على حزب «كديما» في الانتخابات التشريعية.
وأعلن موفاز، الموجود حالياً في واشنطن، للإذاعة الإسرائيلية أمس، نيّته العمل على تأليف حكومة وحدة واسعة، معتبراً أن إجراء انتخابات عامة مبكرة لن يخدم مصالح إسرائيل. وأعرب موفاز عن اعتقاده بأن «جميع الأحزاب المشاركة في الائتلاف الحالي ستبقى في الحكومة المقبلة، وأن أحزاباً أخرى ستنضم إلى حكومة الوحدة التي أتمنى أن أؤلفها».
أما ليفني، التي تراهن على كونها الحصان الأكثر ربحاً لـ«كديما» في أي انتخابات تشريعية بحسب ما تظهره الاستطلاعات، فقد أعلنت قبل أيام نيّتها تأليف حكومة وحدة وطنية بمشاركة حزبي «الليكود» و«العمل»، في ظل استبعاد قبول «شاس» والأحزاب اليمينية الانضمام إلى أي ائتلاف ترأسه. بيد أن إعلان «الليكود» أمس، في بيان، رفضه الانضمام إلى حكومة يرأسها «كديما» بمعزل عن زعيمه المقبل، يضيّق إلى حد بعيد فرص نجاح ليفني بتأليف حكومة بديلة في حال فوزها برئاسة الحزب.
حيال هذا الواقع، يبقى الاحتمال الذي ترجّحه أوساط كلٍّ من «كديما» و«العمل»، ويدعو إليه «الليكود» بقوة، وهو التوجّه نحو حلّ الكنيست وإجراء انتخابات عامة يتوقّع المراقبون الإسرائيلييون أن تحصل في آذار 2009. وهذا الاحتمال هو ما يراه، على سبيل المثال، النائب الأول لأولمرت في رئاسة الوزراء، حاييم رامون، الذي قال إنه لا يعتقد «بوجود فرص كثيرة لتأليف حكومة بقيادة كديما لأن الأجواء السياسية دخلت منطقة من الاضطرابات حيث من الصعب جداً عودة الهدوء إليها». وأوضح رامون ما يعنيه بالإشارة إلى صعوبة إقرار الموازنة في الظروف الحالية «التي تشجع تقديم اقتراحات شعبوية جداً».
في كل الأحوال، فإنه من المفترض أن يقوم رئيس الدولة، شمعون بيريز، في غضون سبعة أيام من تسلّمه استقالة أولمرت، حسبما ينصّ قانون أساس الحكومة، بتكليف الرئيس المقبل لـ«كديما»، بوصفه الحزب الأكبر، بمهمة تأليف حكومة جديدة. وسيحظى الرئيس المكلّف بمهلة 28 يوماً قابلة للتجديد لمدة أسبوعين إضافيين من أجل إنجاز المهمة وعرض الحكومة أمام الكنيست.
وفي حال الفشل، سيكون بإمكان بيريز تكليف نائب آخر بالمهمة. وفي ظل استبعاد ذلك، سيكون أمام استحقاق الإعلان عن استحالة تأليف حكومة والاقتراح على البرلمان أن يوافق على حلّ نفسه تمهيداً لإجراء انتخابات تشريعية مبكرة خلال تسعين يوماً. وفي هذه الحالة، فإن أولمرت سيبقى رئيساً لحكومة انتقالية تتمتع بكامل صلاحيات حكومة طبيعية، فضلاً عن أنه لا يمكن إطاحتها عبر حجب الثقة عنها في البرلمان، الأمر الذي يمنح أولمرت هامش مناورة كبيراً، وخصوصاً أن غالبيته انهارت خلال سلسلة من عمليات التصويت على مشاريع قوانين أخيراً.
وثمة في إسرائيل من يعتقد بأن هذا السيناريو بالضبط هو الذي جال في ذهن أولمرت عندما خطط لإعلان استقالته. ويستدلّ هؤلاء على ما قاله رئيس الوزراء في خطاب الاستقالة، في شأن نيته مواصلة مفاوضات السلام مع الفلسطينيين ما دام رئيساً للحكومة.
ومهما يكن، فإن تحقّق هذا السيناريو سيفتح الباب عريضاً أمام عودة حزب «الليكود» إلى الحكم، في ظل تقدّمه بفوارق كبيرة في استطلاعات الرأي.

لحظة الوفاء بالدَّين المؤجَّل



لم تكن عودة جثماني إلداد ريغيف وإيهود غولدفاسر والصمت المشحون الذي رافقها هما المشهد الأخير لحرب لبنان الثانية. لمن أراد أن يراه، كان المشهد في ديوان رئيس الوزراء الإسرائيلي إيهود أولمرت، مع نهاية «خطاب الأمة»

حيفا ــ فراس خطيبفي خطابه، لم ينطق أولمرت بكلمة «حرب» ولو لمرة واحدة، لكنَّ المعركة الأطول في تاريخ الدولة العبرية، التي دامت 33 يوماً متتالية، كانت حاضرة في أفقه رغماً عنه مثل غيمة سوداء محلقة، لم تفارقه منذ الثالث عشر من آب 2006.
أولمرت ليس رئيس الوزراء الأكثر فساداً. كان من قبله فاسدون كثر وصلوا إلى كرسي الرئاسة. كان أرييل شارون مغموراً بالفساد هو أيضاً، وخضع لأربعة تحقيقات في قضايا مختلفة، ولكن خلافاً لأولمرت، فإنّ الإسرائيليين «يغفرون لشارون خطاياه»، نتيجة لـ«ماضيه العسكري». ويجمع المعلقون على أنَّ الفرق بين صورة الاثنين تكمن في وصفهم شارون كمن «عرَّض حياته للخطر من أجل إسرائيل»، معتبرين أن أولمرت، الذي اتخذ قراره البائس بالخروج إلى الحرب الخاسرة على لبنان، «عرَّض إسرائيل للخطر للحفاظ على نفسه».
جرَّب أولمرت كل أنواع المناورات السياسية للحيلولة دون ترك الكرسي الأحب إلى قلبه. حاول قلب المعايير وعرقلة الانتخابات التمهيدية من دون فائدة، إلى أن اتخذ هذه الخطوة وتنحّى عن منصبه بـ«هدوء» سبقته العواصف. كان واضحاً أن الأجواء الإسرائيلية لن تسمح لسلطات فرض القانون بألا تقدّم لائحة اتهام ضده، لكن المحامي إيهود أولمرت، المخضرم الذي خاض معارك قضائية شرسة مشابهة كان واعياً لما حوله، واختار الذهاب قبل تقديم لائحة الاتهام ضده.
من الصعب التنبّؤ بما إذا كانت التحقيقات ستغلق ضده أو لا، لكنه بالتأكيد سيواجهها بـ«طريقة أفضل» كما قال محاموه. هكذا، بعد أسابيع أو أكثر بقليل، سينحدر نبأ التحقيق مع أولمرت من العنوان الرئيسي إلى «صفحة ما في الجريدة». وستختفي الأنباء عنها كلياً عندما يغيب نهائياً عن المشهد السياسي. فإذا بقي في منصبه ستظل دقيقة التحقيق معه تشغل إسرائيل أياماً، لكن عند استقالته من منصبه، لن تشغل أيام التحقيق معه الناس ولو لدقيقة. وهكذا أيضاً سيتنفّس المستشار القضائي للحكومة مناحيم مزوز الصعداء، فهو منذ الآن طليق من قرار إقالة أو إبقاء رئيس حكومة، ولن يحمل مسؤولية دولة بأكملها.
أولمرت كان رسميّاً في خطابه. وقال «قررت ألا أرشح نفسي في الانتخابات التمهيدية لحركة كديما ولا أعتزم التدخل في الانتخابات». وأضاف «عندما يقع الاختيار على رئيس جديد (لحزب كديما) سأستقيل من منصب رئيس الوزراء للسماح لهم بتأليف حكومة جديدة على وجه السرعة وبطريقة فعالة».
وأضاف أولمرت أنه «لن يتهاون في جهوده للتفاوض من أجل السلام مع الفلسطينيين وسوريا ما دام في منصبه»، ولكن مسؤولين إسرائيليين قالوا إنه من غير الواضح هل ستكون لديه القوة السياسية اللازمة لقطع أي تعهدات.
ورحّبت الأطراف الإسرائيلية السياسية بخطاب الأمة، الذي ألقاه أولمرت. وقد سارع حزب «الليكود» المعارض برئاسة بنيامين نتنياهو إلى الإعلان عن ضرورة إجراء انتخابات عامة في إسرائيل قريباً. وقد أعلن قادة الحزب أنَّهم لن يكونوا شركاء في أي حكومة بديلة برئاسة «كديما»، حتى لو وقف على رأسها، شاؤول موفاز، الذي تواردت أنباء في الآونة الأخيرة عن نيّته ضمّ «الليكود» إلى حكومة بديلة برئاسته في حال فوزه.
وقال نتنياهو المتلهف لانتخابات عامة، وخصوصاً أن استطلاعات الرأي تمنحه الغالبية المطلوبة لرئاسة الوزراء، إن «هذه الحكومة بلغت نهايتها، لا يهم من يتزعم هذا الحزب، كلهم شركاء في هذه الحكومة الفاشلة»، موضحاً أن «المسؤولية الوطنية تحتم العودة إلى الشعب وإجراء انتخابات جديدة».
وكتب رئيس الكتلة البرلمانية «لليكود»، جدعون ساعر، مقالاً في صحيفة «يسرائيل هيوم» (إسرائيل اليوم)، جاء فيه أنَّ «حكومة بديلة ستكون قانونية، لكنها عديمة الشرعية»، مشدداً على ضرورة التوجه إلى صناديق الاقتراع في أعقاب إعلان أولمرت.
قد لا يكون الموقف هذا مخصّصاً للمعارضين فقط، إذ يرى عدد من قادة الحزب الحاكم «كديما» ضرورة الذهاب إلى الانتخابات العامة، وهذا ما صرح به المرشح لرئاسة «كديما» مئير شطريت في حديث إلى إذاعة الجيش الإسرائيلي. وهو أيضاً ما أكده المقرّب من أولمرت، حاييم رامون للإذاعة نفسها بقوله «هناك فرصة كبيرة لإجراء انتخابات جديدة»، معتبراً أن «من سيخلف أولمرت سيجد صعوبة في تأليف حكومة جديدة».
لكن هذا الموقف لا يعجب موفاز الذي سيفعل كل شيء لتجنّب انتخابات مبكرة. وقال، في مقابلة أجراها أمس قبل توجهه إلى واشنطن، إن «رئيس الوزراء اتخذ قراراً شجاعاً يصبّ في مصلحة الدولة». وأضاف «إن كل الأحزاب التي تشكل الائتلاف الحكومي الحالي ستبقى في الحكومة المقبلة» وإن «أحزاباً أخرى ستنضمّ إلى حكومة الوحدة الوطنية التي أنوي تأليفها». وعمد موفاز إلى استقطاب اليمين، معلناً معارضته التوصّل إلى تفاهمات مع الفلسطينيين حول قضايا الحل الدائم قبل استبدال حكومة أولمرت. وقال إنه في حال انتخابه رئيساً لـ«كديما» وتأليف حكومة جديدة فإنه سيقود المفاوضات مع الفلسطينيين بنفسه. وأوضح «ستكون قيادة المفاوضات عندي موحّدة وليست منفصلة مثلما يحدث الآن، وضلوعي كرئيس حكومة في المفاوضات سيكون كبيراً جداً».
أما بالنسبة إلى وزيرة الخارجية، تسيبي ليفني، المرشحة أيضاً على رئاسة «كديما»، فقد حاولت أن تقول «إن كل شيء على ما يرام». ففي مؤتمر صحافي جمعها بالأمس مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون في نيويورك، قالت «رغم عدم الاستقرار، سنحاول التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين حتى نهاية العام».
أما على صعيد حزب «العمل»، فقد حاول القائمون عليه اعتبار استقالة أولمرت انتصاراً لهم، وخصوصاً أنهم طالبوا باستبداله قبل فترة. وقال وزير الدفاع إيهود باراك الموجود في واشنطن إن أولمرت «اتخذ قراراً صحيحاً، ويستدعي الثناء».

تهم الفساد



مع بداية أيار الماضي، أعلنت القناة الاسرائيلية الثانية، أنَّ الشرطة تحقق مع رئيس الوزراء إيهود أولمرت في قضية مالية. واتضح أنه مشتبه في تلقيه مئات آلاف الدولارت من رجل الاعمال الأميركي موشيه تالنسكي، بشكل غير قانوني، عندما شغل منصب رئيس بلدية القدس ووزير الصناعة والتجارة.
في خضم التحقيق في قضية تالنسكي، أعلنت الشرطة والنيابة العامة في تموز، أنها حققت مع أولمرت في قضية فساد أخرى، منها قضية «أولمرت تورز»، إذ يشتبه بقيامه بتمويل رحلاته وسفراته العائلية الخاصة من اموال حصل عليها بالغش من مؤسسات رسمية.
وجرى التحقيق مع أولمرت بتهمة تورطه بإجراءات تخصيص مصرف وطني حين كان يشغل منصب وزير مالية ثم قضية فساد في شراء منزل في شارع كرميا، وكذلك تورطه في تعيينات غير شرعية لأعضاء في مركز «الليكود» في مؤسسات الدولة.
(الأخبار)