علي حيدرليس معلوماً إن كان في سجل السيرة الشخصية لإيهود أولمرت ما يدل على أن دراسته الحقوق كانت رافعة لنجاحه السياسي الذي انتهى بـ«الصدفة» إلى تسلمه رئاسة وزراء إسرائيل. المؤكد أن عامين ونصف عام من المرافعة في المنصب الأرفع بالدولة العبرية كانا كافيين لكي يخسر المحامي المخضرم قضية حياته من دون إمكان استئناف الحكم.
لم ينجح أولمرت طوال فترة ولايته في كسب ود الجمهور، بل إن فوزه في الانتخابات العامة في آذار 2006 كان خجولاً، عندما فشل في جعل حزب «كديما» حزب السلطة المهيمن. لكن مواهبه الاستثنائية برزت في قدرته على المناورة في اللعبة الداخلية الإسرائيلية، وهو ما مكنه من التمتع باستقرار نسبي والحفاظ على كرسيه طوال فترة عاصفة قبل أن تتجسد إخفاقاته السياسية والأمنية المتراكمة انهياراً سريعاً في الأسابيع الأخيرة كان للتحقيقات القضائية فيه مفعول رصاصة الرحمة. وثمة من يعتقد أن ما سمح لأولمرت بالبقاء حتى الآن في منصبه، رغم الفشل الذي رافق ولايته على كل الصعد، هو إدراكه الدقيق لحقيقة أن تمسك السياسيين بكراسيهم والامتناع عن إجراء انتخابات مبكرة أقوى من الانتقاد الجماهيري لسلطته.
الصدمة الأولى التي واجهها في حكومته الحديثة العهد كان أسر الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط على تخوم قطاع غزة، في 25 حزيران 2006، وهو حدث أدى إلى انحراف ولايته عن مسارها الذي أراد له أن يسلك طريق خطة «الانطواء» من الضفة الغربية. انحراف ما لبث أن تُوِّج سقوطاً مؤجلاً يوم نجح حزب الله في أسر الجنديين في 12 تموز 2006 على الحدود مع لبنان. ويرى كثيرون أن عملية «تغيير الاتجاه» التي شنها أولمرت في أعقاب عملية الأسر الثانية، غيَّرت قبل كل شيء النظرة إليه وسط الجمهور الإسرائيلي من خليفةٍ لأرييل شارون وأمين على نهجه في المضي قدماً في نهج فك الأرتباط عن القضية الفلسطينية، إلى زعيم أمة تتخبط في حرب من دون أفق.
الولاية «الحربية» لأولمرت استُكملت بعد عدوان تموز بقرارين استراتيجيين آخرين هما قصف ما زعمت إسرائيل أنه مفاعل نووي سوري قيد الإنشاء في دير الزور في أيلول 2007، واغتيال القائد العسكري لحزب الله، الشهيد عماد مغنية.
في غضون ذلك، أدرك أولمرت أن البقاء في كرسي رئاسة الحكومة لا يمكن أن يستمر من دون مشروع سياسي، وهو ما دفعه إلى انعطافة «سلمية» على جبهتي الصراع الفلسطينية والسورية أملاً في تحقيق مكاسب تحجب عنه تهم الفساد وتمنحه طوق نجاة يمكّنه من البقاء فوق الماء. وفي الموازاة، بدا أن الاعتراك المكثف الذي خاضه أولمرت للسياسة والحرب جعله سريعاً أكثر وعياً لحدود القوة، فاتخذ قراره الاستراتيجي الثالث بالتهدئة على جبهة قطاع غزة، قبل أن يتبعه بقرار الموافقة على إجراء عملية التبادل مع حزب الله قبل أسابيع.
يسلم أولمرت مفاتيحَ الحكومة لخلفه في ختام عامين ونصف «أفلح» خلالها في مراكمة جملة من الملفات الساخنة ظن الإسرائيلييون أن عهد بعضها قد ولى. يبدأ ذلك من التهديد الوجودي المتمثل بالنووي الإيراني، ويمر بالتحذير الداهم من حرب متوثبة في كل لحظة على الجبهة الشمالية، وصولاً إلى تنامي قوة المقاومة الفلسطينية كماً ونوعاً لا سابق لهما.