تركز إسرائيل صبح مساء على «الخطر» الذي يتهددها من الشمال، من دون أن تتحرك قيد أنملة لمواجهته، رغم ادّعائها الانتهاء من التدريبات الضرورية. فما الذي يحول دون توجيه ضربة جديدة لحزب الله؟
يحيى دبوق
إن كانت هناك مجادلة، وإن كيدية، في أن عملية أسر الجنديين الإسرائيليين في صيف 2006 قد أوجدت الظرف لشنّ حرب إسرائيل على لبنان، ولم تكن سبباً لها، فلا مجال للمجادلة في أن نتائجها تمنع نشوبها من جديد، أو أقله، تساهم كثيراً في ذلك.
خرجت إسرائيل من عدوانها على لبنان، باعتراف أهم لجنة تحقيق ألفت بعد الحرب للنظر في إخفاقاتها (لجنة فينوغراد)، لتجد أن فشلها لا يرجع إلى تقصير شخصي، كما أريد له أن يشاع ابتداءً، بل إلى قصور بنيوي مؤسساتي واجتماعي تعاني منه الدولة العبرية. وخلصت اللجنة إلى التشديد على أن إلقاء اللوم على أشخاص محددين، وإن كان تقصيرهم قد ساهم في الوصول إلى النتائج الفاشلة للحرب، فإنه سيضيّع على إسرائيل فرصة النظر في المكامن الحقيقية لأصل المشكلة، البنيوية، وتضيع بالتالي فرصة معالجتها.
سريعاً بعد الحرب، ألفت المؤسسة العسكرية الإسرائيلية أكثر من أربعين لجنة تحقيق مهنية، نظرت في «الإخفاقات» والأسباب التي أدّت إليها، وطرحت كل لجنة تصوراتها للحلول التي تمنع الوقوع مجدداً فيها مجدداً في حروب مقبلة. كانت أهم هذه الخطط، التي تبنّاها رأس الهرم العسكري في إسرائيل، خطة «تيفن»، التي تمتد إلى عامين وأكثر، وتشمل إصلاحات في مجال التدريب والتجهيز وإعادة الاعتبار للذراع البري في الجيش... وبحثاً عن ردع مفقود كأثر ظاهر للحرب، سارعت القيادات الإسرائيلية إلى مخاطبة جمهورها وأصدقائها وجمهور أعدائها أيضاً، والتأكيد على أنها أنهت إصلاح الخلل الذي ظهر في الحرب، إلا أنها كانت تأكيدات لافتة في سرعتها، إلى درجة أفقدتها صدقيتها، إذ لم يدع المسؤولون الإسرائيليون، والعسكريون تحديداً، فرصة إلا أكدوا خلالها على إنهاء الإصلاحات والتشديد على أن الحرب المقبلة «ستكون سريعة وخاطفة، والنصر فيها لا لبس فيه، وغير قابل للتأويل».
بعض التقارير الإسرائيلية أظهرت، خلال العامين الأخيرين، عكس الادعاءات السائدة، وأشارت إلى أن الإصلاحات التي جرى الحديث عنها هي إصلاحات وهمية لجهة نتائجها، وإن كانت إصلاحات ضرورية تعالج بعض مكامن الخلل التي ظهرت في الحرب، مشددة على أن الخلل الحقيقي لا يتعلق بأسباب مادية بحتة يعاني منها الجيش، رغم أهمية ذلك، وهو ما يتقاطع مع خلاصات لجنة فينوغراد، بل يعود إلى خلل بنيوي يتعلق بالوعي والحافزية لدى المقاتل، إضافة إلى حسن قرار القيادة العسكرية والسياسية، وعدم توجيه العسكر نحو تحقيق نتائج لا تقوى القدرة الفعلية الإسرائيلية على تحقيقها، ومنها خوض حرب من غير الممكن عملياتياً تحقيق كل نتائجها المرجوة منها. علماً بأن عدم تحقيق النصر الكامل والساحق، في الحالة اللبنانية، يعني إمكان العودة إلى البدء والى المربع الذي جرى الانطلاق منه، وخاصة أن لا إمكان لملاقاة أيّ نصر إسرائيلي ميداني في حال حصوله، من قبل أطراف في الداخل اللبناني، لعدم إرادتها ذلك أو لقصورها عنه. هذا إن كان الحديث يتعلق بقدرات مشابهة للقدرات التي ظهرت لدى المقاومة اللبنانية في الحرب قبل عامين، من دون الحديث عن قدرات جديدة ومؤثرة ولافتة، يشدد الإسرائيلي على وجودها.
يمكن الإشارة إلى أن قدرات المقاومة اللبنانية، كما ظهرت في الحرب الأخيرة، كفيلة بدفع الإسرائيلي إلى «العد حتى العشرة» قبل إقدامه على مغامرة جديدة أو استئنافها، فكيف إذا امتلكت المقاومة قدرات أخرى، يُحكى عن أنها أكثر تطوراً وفاعلية وتأثيراً؟ ما يعني أن الحرب أو المواجهة مع إسرائيل لا تقترب مع مراكمة القوة لدى الطرف اللبناني، بل تدفع الإسرائيلي لمراجعة خياراته من جديد، بل وأيضاً للبحث عن سبل أخرى، غير عسكرية. بل وأكثر من ذلك، قد تدفعه إلى تكييف نفسه مع حقائق جديدة.
إنها معادلة أفرزتها حرب تموز وكانت من نتائجها الأساسية. والى أن ينهي الإسرائيلي إصلاحاته البنيوية، ومن بينها إصلاح الفرد والمجتمع الإسرائيلي على صعيد الوعي والحافزية، كما أشارت لجنة فينوغراد، تبقى القدرة في الطرف الآخر رادعاً له.