حسام كنفانيصدقت القاهرة أخيراً بمساعيها الحوارية. الدعوات بدأت بالوصول إلى الفصائل الفلسطينية الأربعة عشر المقرّرة مشاركتها في الحوار الذي من المرتقب أن يبدأ فردياً قبل أن ينتقل إلى صيغة جماعية.
غير أن المفارقة في الدعوات خلوّها من أي تاريخ، سواء للاجتماعات الفردية، أو اللقاء الجماعي، وبدت وكأنها محاولة من القاهرة لاستشراف الخطوات المقبلة في موضوع الحوار الفلسطيني. وهي بحسب صيغة الدعوة، ترمي الكرة في ملعب الفصائل الفلسطينية، ما يطرح المزيد من علامات الاستفهام عن جديّة دعوة الحوار، سواء من القاهرة أو الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
ويبدو أن القاهرة حرصت على صيغة مبهمة في نص الدعوة، التي سُلِّمت إلى فصائل منظمة التحرير، إذ تضمنت حرصاً من «القيادة السياسية المصرية على وحدة الصف الفلسطيني وسعيها الدؤوب لأن يكون الحوار الفلسطيني ـــــ الفلسطيني بمثابة القاعدة الأساسية» للتحرك المقبل. ورأت أن «المناخ الحالي يمثل أنسب توقيت لبدء حوار وطني موضوعي وهادف للمّ الشمل».
الدعوة أبقت على مثل هذه الصيغة المبهمة، من دون أن تحدّد تواريخ استضافتها لممثلي الفصائل الفلسطينية. بل وضعت ثلاثة استفسارات أشارت إلى أنه على اساس إجابتها ستحدّد توجهات المرحلة المقبلة، مطالبة التنظيمات ببحث هذه الأسئلة «بشفافية» قبل الانتقال إلى المرحلة التالية.
الاستفسارات الثلاثة هي، بحسب نص الدعوة:
1ـــــ مدى توافر الإرادة السياسية من أجل الوصول إلى إنهاء حال الانقسام.
2ـــــ طبيعة الأهداف المرجوّة من هذا الحوار، وإذا ما كانت هذه الأهداف تتعلّق بالاتفاق على تأليف حكومة وحدة وطنية، أو العمل على لم الشمل الفلسطيني، أو الاتفاق على مشروع وطني نلتقي حوله جميعاً.
3ـــــ القضايا الرئيسية التي ستؤلف أجندة الحوار الوطني.
استفسارات تبدو بحاجة إلى استفسارات، ولا سيما أن النقاط التي أوردتها الدعوة المصرية، هي نقاط الخلاف الفلسطينية الأساسية، ولا سيما الاستفسار الثاني، الذي من المفترض أن تكون الإجابة عنه من خلال توافق على الطاولة الحوارية الجامعة.
فالأهداف المرجوة هي نقطة خلاف أساسية بين «فتح» و«حماس»؛ فبين مطالبة العودة إلى ما قبل 14 حزيران 2007، وما بين الحوار قبل العودة إلى ما قبل هذا التاريخ، تختلط التفسيرات إلى حد التناقض. وإذا كان الأمر سيترك للفصائل للإجابة عن هذه الأسئلة، فإن القاهرة قد تتلقى أكثر من 14 سيناريو متناقضاً لأهداف الحوار الفلسطيني والنقطة التي من المفترض الوصول إليها.
وبغض النظر عن الاستفسارات المصرية، وما إذا كانت فعلياً ستصب في خدمة لم الشمل الفلسطيني، فإن المفارقة تكمن بأن الدعوة لم تتضمن حتى سقفاً زمنياً لتلقي الأجوبة عن الاستفسارات، تاركة الأمر في عهدة الفصائل ومدى جديتها في الخوض في التجربة الحوارية الجديدة.
والردود هي مجرّد مرحلة متأخرة من المبادرة المصرية، إذ تشير الدعوة إلى أن «مباحثات القاهرة ستتركز على طبيعة الردود التي سنتلقاها على هذه الاستفسارات، ما يساعدنا على أن نبلور في النهاية رؤية مصرية شاملة للحوار».
بناءً عليه، فإن المبادرة المصرية تبدو طويلة الأمد، وغير خاضعة لأي التزامات زمنية. وإذا كانت مصادر قد تحدثت عن موعد بعد عيد الفطر للحوار الجماعي، فإن الآلية الواردة في الدعوة لا توحي أن أي طاولة حوار ستلتئم قبل العام المقبل.
وتشير مصادر مطلعة لـ«الأخبار» إلى أن القاهرة هدفت عبر الدعوة إلى «قطع الطريق على أي مبادرات حوارية قد تقوم بها عاصمة عربية أخرى، وأرادت أن تؤكد أنها عادت لتمسك بملف الحوار الفلسطيني».