نظام مبارك يعتمد أسلوب الإسلامييّن: رسالة إلى باقي المعارضينوائل عبد الفتاح
الحكم الذي صدر السبت الماضي ضد سعد الدين إبراهيم، يفتح الباب أمام مطاردات قضائية تحت شعار: «الإساءة إلى سمعة مصر». إنها الطلقات الأولى في موجة يستعين فيها النظام بأسلوب الجماعات الاسلامية في التسعينيات. حينها قررت الجماعات الحرب على المجتمع الحر فأمطرت المثقفين والفنانين بدعاوى «الحسبة»، وأثارت الفزع حين صدرت أحكام بتطليق المفكر المعروف نصر أبو زيد من زوجته ومنع عرض فيلم يوسف شاهين «المهاجر». تطليق مفكر ومنع عرض فيلم، هما نوع من رسائل رمزية تعلن عن سلطة جديدة وواقع على الجميع الاعتراف به. أيامها انتفض المجتمع على هجمة السلطة الأصولية والعودة إلى زمن محاكم التفتيش.
انتفاضة المجتمع جرّت خلفها النظام وعدل في قانون الحسبة ليمنع قبول دعوى قضائية من شخص لا يمسّه موضوع القضية بشكل شخصي مباشر. التعديلات في قانون الحسبة أعطت النائب العام فقط الحق في إقامة دعوى قضائية تمس الصالح العام. لكن الحكم ضد سعد الدين إبراهيم صدر بناءً على دعوى من محام عضو في الحزب الوطني، وهو انتهاك واضح لقانون الحسبة. بمعنى آخر هي حسبة سياسية، ربما يكون سعد الدين إبراهيم ضحيتها الجديدة لكنه ليس الاخيرة. فالهدف البعيد هو ضرب حرية الرأي والتعبير وحصار المعارضة مهما كان توجهها.
ويتخيّل مهندسو الضربة أن اختيار إبراهيم ليكون الضحية سيربك المدافعين عن الحريات ويمرر «إرهاب الحسبة» على اعتبار أن سعد مثير للجدل ومختلف عليه ولن يجتهد النظام كثيراً في حشد كتيبة كاملة للهجوم على المعارض، الذي يُتهم في صحف الحكومة والقريبة منها بأنه «عميل أميركا» و«خائن» و«جاسوس». وهي ترديدات للتهم التي حكمت بها المحكمة عليه، وكلها تدور حول «الإساءة لسمعة مصر والإضرار بمصالح البلاد عن طريق نشر أخبار كاذبة». والمقصود هو مقالات ومقابلات إضافة الى علاقات دولية تسمح للدكتور إبراهيم بمقابلة مسؤولين وشخصيات مؤثرة، وخصوصاً عندما قابل الرئيس جورج بوش، وطلب منه «الضغط» على مبارك لتحقيق مزيد من الديموقراطية.
نظام مبارك ضخّم اللقاء وشنّ حملة عنيفة، انتقلت إلى ساحات القضاء الذي رفض دعاوى بسحب الجنسية ومنع إبراهيم من دخول مصر. وتصور المراقبون أن ملف العقاب القانوني قد أغلق ضد سعد، المقيم في الدوحة منذ عام تقريباً. إلا أن صدور الحكم، فسّرته هيئة الدفاع على أنه رد عنيف على ترشيح سعد كلاً من مدير المخابرات، عمر سليمان، والمستشار هشام بسطاويسي، أحد رموز تيار استقلال القضاء، لخلافة مبارك.
هل هو مجرد «ثأر» من صديق قديم للنظام؟ الموضوع أكبر. فالانتقام تم في مرحلة سابقة حين خرج سعد الدين إبراهيم عن توازنات علاقته بالدائرة القريبة من عائلة الرئاسة وبدأ بتوجيه نقد للنظام بعد سنوات من أداء دور الناصح والخبير.
في الخروج الأول، سجن إبراهيم فترة بتهمة التزوير في أوراق خاصة بمركزه (ابن خلدون) وخرج نصف بطل نصف جريح. هو الآن في لحظة يسير فيها إلى آخر الشوط، إلى المواجهة الحاسمة باعتباره «منشقاً» لا مجرد معارض. إنه الضحية الطائرة التي تنذر الضحايا المتوقعين بمرحلة سوداء من ملاحقات قضائية ستتهم كل من يكتب ضد النظام بأنه على قائمة الخيانة. الموضوع ليس مجرد «الانتقام» من سعد، لكنه إعداد للمراحل المقبلة بإثارة الرعب في نفوس المعارضين. إنها مرحلة يفرض النظام فيها أسلاكاً شائكة لتبقى المعارضة في مستعمرات واسعة، تصرخ وتشكو ولا يسمعها أحد. خطة تبدو، من بعيد، بأنها قريبة للنجاح لكنها ليست كذلك تماماً.

المذكرة تقدم بها رئيس حزب مغمور اسمه «شباب مصر». محكمة القضاء الإداري قبلت الدعوى هذه المرة بعدما رفضتها من قبل، لأن المتقدم بها جماعة وليس فرداً، لكنها تأتي بعد يوم واحد من صدور حكم محكمة جنح الخليفة، ليبدو المشهد كأنه حملة منظمة، في ما يمكن تسميته «تصفية قانونية».