الاحتلال فتح أبواب الجحيم الطائفية على العراق، إلا أنّ الجحيم العرقية لا تقلّ خطورة. أزمة انتخابات كركوك نموذج لمعضلة عرقية ــــ سياسية، يتحالف فيها الاستقلاليّون الأكراد مع أنصار إقليم الجنوب في وجه التشكيلات الأخرى
بغداد ــ زيد الزبيدي
باتت العقبة الأساسية في قضية قانون انتخابات مجالس المحافظات العراقية، التي أجّل البرلمان العراقي النظر فيها إلى جلسة تُعقَد اليوم، هي «إقحام المادة 140 من الدستور» في نصّ القانون. مطلب كردي لم يكن مطروحاً عندما نقض الرئيس جلال الطالباني القانون الذي أقرّه مجلس النواب في 22 من الشهر الماضي بغالبية ساحقة «127 مقابل 3» بعد انسحاب نواب التحالف الكردستاني.
وبحسب المراقبين، ليس هناك علاقة بين قانون ينظّم الانتخابات، وإدخال مادة دستورية فيه كانت تنصّ (قبل انتهاء مدّة صلاحيتها في 31 ــــ 12 ــــ 2007) على إجراء استفتاء عام لتحديد مصير كركوك، إما بضمّها إلى كردستان العراق، أو إبقائها تحت سيطرة الحكومة المركزيّة. أساساً، إنّ المادّة 140 هي موضع خلاف لأنّ صلاحية العمل بها انتهت، إضافة الى كونها إحدى المواد المطروحة حالياً أمام لجنة التعديلات الدستورية.
ولعل أبرز «سيّئات» المناقشات الجارية حالياً، هي أنّ التحالف الكردستاني يعتمد خطاباً تخوينياً بحقّ العرب الموافقين على تقسيم مقاعد مجلس كركوك بالتساوي بين الأكراد والعرب والتركمان.
وردّاً على اتهامات «الشوفينية ــــ الصدّامية»، ذكّر رئيس مجلس النواب، محمود المشهداني، القيادة الكردية، وخاصة رئيس الإقليم مسعود البرزاني، بأنّ صدام حسين نصّب في مثل هذا الشهر (آب من عام 1996) البرزاني حاكماً على أربيل، بعدما استنجد الأخير به لتخليصه من نفوذ غريمه الطالباني.
وترى مصادر برلمانية أنّ تأجيل الجلسات البرلمانية، أول من أمس، ينمّ عن خلل كبير في العملية السياسية، لأنّ مجلس النواب (الذي دخل في إجازته الصيفية) رُكِنَ جانباً، واقتصرت المباحثات بين قيادات سياسية عراقية وأميركية من دون إطلاع ممثّلي الشعب على ما يجري.
وفي بادرة شكّك العرب السنّة في إمكان نجاحها، أعلنت مصادر برلمانية أمس عن مقترحات وتعديلات جديدة أضيفت إلى المادّة 24 من قانون انتخابات مجالس المحافظات، تتطرّق تحديداً إلى أصل المشكلة، وهي سحب قوات البشمركة وحلول قوات حكومية مركزية مكانها، وقاعدة تقسيم مقاعد أعضاء مجلس المحافظة.
الاعتراض العربي على التعديل عبّر عنه النائب عن الكتلة العربية للحوار الوطني عمر الجبوري، بينما بدا حلفاء الأكراد من الشيعة متحمّسين له.
وفي السياق، أعلن نائب رئيس البرلمان الشيخ حميد معلة أنّ التعديلات ستناقش في اجتماع البرلمان اليوم، وهي ستكون تعديلات محدودة «تمّ التوافق عليها بشبه موافقة نهائية». وعن فحوى التعديل «الطفيف»، كشف المعلة عن أنه يتضمّن الإشارة إلى المادة 140 المتعلقة بتطبيع الأوضاع في كركوك والمناطق المتنازع عليها، وإعطاء ضمانة بعدم إجراء أي تغييرات سياسية وديموغرافية أساسية في كركوك إلا بعد إجراء الانتخابات فيها.
ومن ضمن أجواء التفاؤل نفسها، أشار النائب عن التحالف الكردستاني محمد خليل إلى أنّ المفاوضات الجارية للخروج من مشكلة انتخابات مجالس المحافظات «وصلت إلى مرحلة متقدمة». لكنّ خليل لم يجزم بأنّ الحلّ سيأتي في جلسة اليوم، إذ «ممكن أن يحصل اليوم، أو بعد الانتهاء من عطلة الفصل التشريعي الحالي».
الخوف الأساسي ينبع من أنّ أزمة كركوك أخذت تتعمق كأزمة «عرقية بحتة»، لا سياسية عابرة، بحيث يقف فيها الأكراد، يدعمهم بعض أعضاء «الائتلاف العراقي الموحّد» من دعاة استقلال إقليم الجنوب، في وجه بقية المكوّنات العربيّة.