التعويضات سياسية ومواسم البطاطا علف للأبقار! البقاع ــ رامح حمية
على مرمى حجر من قلعة بعلبك ومهرجاناتها، وعلى امتداد الطرق الرئيسية في البقاع، يطالعك مشهد أكياس البطاطا البقاعية «النخب أول» و«البيضا مثل الشاش» وهي تفترش حوافي الطرق، بشكل لافت وغير مسبوق، حيث يكاد لا تفصل بين «بسطة» وأخرى أمتار قليلة، والباعة هنا سوريون يتظللون باللوحات الإعلانية ويمارسون «الشطارة التجارية» على الزبائن. هذا المشهد لا يعكس رؤية سياحية جديدة، بل واقع مزارعي البطاطا البقاعية الذين فضلوا بيع إنتاجهم السنوي للباعة السوريين بدلاً من إبقائه في الأرض وتعرّضه لضربة شمس أو نخر السوس أو بيعه علفاً لمزارع الأبقار.

البطاطا أصبحت موالاة!

وفيما بدأ مزارعو البطاطا في البقاع الغربي والأوسط (قضاء زحلة) التابعون فقط لفريق الموالاة ملء استمارات في البلديات التابعين لها، بهدف الحصول على تعويض عن الخسائر التي أصابتهم نتيجة الأسعار المتدنية في هذا الموسم، والتي وعدوا بها من النائب سعد الحريري، فإن المزارع في البقاع الشمالي استنفد كل الوقت اللازم والممكن لتأخير «قلع» البطاطا، معولاً بذلك على أسعار قد ترتفع، ولا يعود عندها بحاجة لأي تعويض. لكن الأسعار لم ترتفع، والتعويضات لم تشمله لقناعته بأنها «تتماهى سياسياً وانتخابياً»، وعندها لا يبقى له إلا خياران، الشروع بـ«القلع» وبيع الكيلوغرام من البطاطا بأسعار تراوح بين 175 و215 ليرة لبنانية، أو بيعها كأعلاف لمزارع الأبقار في المنطقة!

ما في حدا

«حكينا وطلبنا كتير وما حدا بدوا يسمعنا»، يقول أبو فواز، وهو مزارع بقاعي رفض الإدلاء بأي حديث لأنه يئس من «المطالبات والمناشدات التي لا توصل إلى نتيجة في هذا البلد». أما الحاج حسين شومان فهو مزارع من بلدة سرعين البقاعية، وقد تأخر في قلع البطاطا آملاً أن يرتفع السعر، يقول: «لقد انتظرت كثيراً وبات من الأفضل أن نبيع الكيلو بـ200 ليرة، وذلك أفضل من لا شيء، لأن تعمد المزيد من التأخير في حصاد الموسم سيؤدي إلى أضرار كبيرة، مثل ضربة الشمس أو السوس الذي من شأنه القضاء على موسم البطاطا بكامله»، ولفت شومان إلى أن خسائره حالياً كبيرة، فـ150 دونماً من البطاطا قد قُلعت من أصل 700 دونم، أي ما يوازي خسارة 55 ألف دولار، ما عدا احتساب كلفة تشغيل المعدات والأكلاف الإضافية الأخرى وتعب المزارعين والحصّادين، مشيراً إلى أن «رفع السعر لن يفيدنا بل سيعود بالربح على التجار الذين خزّنوا الإنتاج في البرادات وسيطرحون البطاطا بأسعارهم التي يريدونها بعد شهر»، وأكد شومان أن «مزارعي البطاطا في البقاعين الغربي والأوسط بدأوا بملء استمارات في البلديات لقبض تعويضات عن خسائر الموسم بحوالى 250 دولاراً عن كل دونم، وأن هذا التعويض يأتي تنفيذاً للوعد الذي قطعه النائب سعد الحريري بشراء البطاطا» موضحاً أن «التعويض لمآرب سياسية وانتخابية، لأنه يطال المناطق في عكار والبقاعين الغربي والأوسط حتى بلدة علي النهري، وهي تابعة لقضاء زحلة». وقد تأكدت «الأخبار» من هذه المعلومات، وتبيّن أن مزارعي البطاطا التابعين لفريق الموالاة فقط في البقاعين الغربي والأوسط قد بدأوا فعلياً بملء استمارات بمساعدة البلديات، تُبيّن فيها مساحة الأراضي التي كانت مزروعة، تمهيداً لقبض تعويض بقيمة 250 دولاراً عن كل دونم بطاطا.

تلاعب بالأسعار

من جهة أخرى، رأى شومان أن العمال والتجار السوريين يفيدون حالياً من محاصيلنا، فهم يشترون الكيلوغرام البطاطا من المزارع اللبناني بأسعار زهيدة تراوح بين 175 ليرة و215 ليرة، ويعتمدون في بيعهم على الطرق الرئيسية، وإيهام الزبائن بأن البطاطا رخيصة، فيبيعون العشرين كيلوغراماً بـ6000 ليرة، فيظن الزبائن للوهلة الأولى أن السعر مغر فلا يتوانى عن الشراء، علماً بأن هؤلاء التجار يكونون بهذا الإجراء قد رفعوا سعر الكيلوغرام إلى 300 ليرة، محققين ربحاً عن كل 20 كيلوغراماً من البطاطا بين 1700 ليرة و2500 ليرة.
بدوره، رأى معروف حمية أن التأخير يصيب المزارع بالخسارة، لأن الشمس والسوس كفيلان بضرب مواسم البطاطا «لذلك كان لا بد من قلعها مهما كانت النتائج المترتبة، وإلا يكون مصير الموسم علفاً في مزارع الأبقار»، وأكد أن «كل دونم بطاطا يخسر 400 ألف ليرة»، وأضاف أن «الإفادة ستكون للتجار دون غيرهم، لأن شهر رمضان بات قريباً». ولفت حمية إلى اجتماع عقد في بعلبك مع نواب المنطقة، القصد منه «المطالبة بتعويضات تساعدنا على المضي قدماً في زراعتنا»، وتساءل حمية عن «الهدف من التعويضات التي تطال فئة معينة من المزارعين فقط، وبشكل استنسابي فاضح وفي مناطق محددة»، طالباً من رئيس الجمهورية ووزير الزراعة إيلاء مزارعي البقاع الاهتمام، والتعويض عن خسائر البطاطا الفادحة، بعيداً عن التجاذبات السياسية والمراحل الانتخابية».

التجارة «شطارة»

خاطر (من محافظة إدلب) هو أحد الباعة السوريين الموجودين على طريق بعلبك الدولية، يفترش وأكياس البطاطا الأرض منذ الصباح الباكر تحت إحدى اللوحات الإعلانية بقصد بيع البطاط والعودة ليلاً إلى منزله مع «الغلة». يشير خاطر إلى أنه يشتري البطاطا من المزارعين مباشرة بعد قلعها بـ200 ليرة ويبيعها حسب نوع الزبون ووضعه بين 300 ليرة أو 400 ليرة للكيلوغرام الواحد، ولا ينفي خاطر أن المسألة «تحتاج إلى شوية شطارة» لإقناع الزبون بالنوعية الجيدة، وأكد «أن البطاطا التي تباع حالياً على الطرق هي من نوعية النخب أول، وهي تختلف عن تلك التي كنا نبيعها سابقاً، فمنها مصاب بجرح من شفرة الحراثة، أو اللي نحتها السوس»، وعن عدد التجار السوريين الكبير على امتداد طرق البقاع، يشير خاطر إلى أن نكسة المزارعين وانخفاض الأسعار دفع بالعديد من السوريين، وبالنظر إلى عدم وجود أعمال بناء وعتالة، إلى اللجوء إلى هذه التجارة المربحة.


80 ألف دونم

هي المساحة المزروعة بطاطا في سهل البقاع وحده، فيما يقدر الإنتاج بـ240 ألف طن، حيث ينتج الدونم ما بين 2,5 طن و3 أطنان. ويزرع حوالى 3000 مزارع البطاطا، 50% منهم تجار ينتجون للتصدير. أما كلفة زراعة الدونم فبين 800 و1000 دولار


استغلال لا ينتهيبالنظر إلى الأكلاف الكبيرة والأسعار المتدنية، فإن هناك من «يعرف كيف تؤكل الكتف»، إذ يشير أحد مزارعي البطاطا في بلدة السعيدة، إلى «أن التاجر الذي يشتري البطاطا يحسم من سعرها 10% بعدما كان الحسم لا يتعدى 5% العام الماضي، وذلك على حساب المزارع، بحجة سعر الأكياس ووزن الهواء وغيرها من الأمور العجائبية، فيما السوريون الذين يبيعون على الطرق يراهنون على عدم إلمام العديد من البيروتبين القادمين إلى قراهم بالأسعار، ويعتمدون على «شطارة» هي أقرب إلى الغش من التجارة