الحديث عن «طوق حلب» عاد إلى التداول من جديد، وفي تزامن لافتٍ مع موعد تقديم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا إحاطته أمام مجلس الأمن اليوم بشأن مبادرة «تجميد القتال في حلب». وعلى الرغم من أن المُعطى الميداني في «عاصمة الشمال السوري» قد تبدّل في الأسبوعين الأخيرين، غير أنّ المصادر الميدانية السوريّة استمرّت في التأكيد أن الدّفة هناك ما زالت في يد الجيش السوري وحلفائه، وهو أمرٌ لا يُجانب الصواب في واقع الأمر.
لكنّ «الطوق» الذي يرمي إلى محاصرة الجيش للأحياء التي تسيطر عليها فصائل المعارضة في حلب، ليس محكوماً بالمعطى الميداني فحسب، إذ ثمّة تناغمٌ بين الميدان وأروقة السياسة بطبيعة الحال. تناغم سبق أن أفضى إلى إرجاء العمل على استكمال الخطة العسكرية فسحاً للمجال أمام مساعي الحلول السياسيّة («الأخبار»/ العدد 2497). ومن المعلوم أن جبهة حلب تحظى بثقل خاص في الموازين الإقليميّة (والدولية نتيجةً لذلك)، بالنظر إلى ما تمثّله من أهميّة لرهانات أنقرة (من الملاحظ أن الأخيرة التزمت الصمت في الفترة الأخيرة حيال جهود المبعوث الدولي، ومستجدّات مهمته). في الأثناء، كررت مصادر ميدانيّة سوريّة خلال اليومين الأخيرين الحديث عن وصول تعزيزات عسكرية ضخمة إلى حلب، في انتظار «السّاعة الصفر» لبدء عمليّة كبرى قد تتجاوز «إحكام الطوق» على المدينة. ومن أبرز ما يستدعي الانتباه في تصريحات المصادر الإشارة إلى «دور كبير للمقاتلين الأكراد في العمل المرتقب»، الأمر الذي يتنافى بطبيعة الحال (ظاهريّاً على الأقل) مع التقارب الأخير بين الأكراد و«الجبهة الشاميّة» التي تضم معظم المجموعات المسلّحة الوازنة في حلب، والمحسوبة فعليّاً على الأتراك («الأخبار»/ العدد 2513). «الشاميّة» حاولت خلال اليومين الأخيرين إحراز مكاسب جديدة في معاركها ضد الجيش السوري وحلفائه على جبهتي البريج والملاح، وهما جبهتان محوريتان في معركة «الطوق». ومع الأخذ في الاعتبار التقدم الكبير الذي تحققه «وحدات حماية الشعب» الكردية في ريف حلب الشمالي الشرقي، مع ما يعنيه هذا من تحكمها الوشيك بأجزاء واسعة من الحدود السورية التركية، فإن من شأن نشوب أي خلاف بين الوحدات وبين «الشّاميّة» أن يجعل الأخيرة في وضعٍ حرجٍ.
فرصة «تجميد
القتال» هي الأخيرة، وفشلها قد يدقّ «الساعة الصفر»

في الوقت نفسه، سيكون من شأن نجاح مبادرة تجميد القتال (ولو على نطاق ضيّق، إذ يدور الحديث عن تطبيقها في حي صلاح الدين كخطوة أولى) أن يجعل تعميمها أمراً ممكناً، بالنظر إلى أنّ الوحدات و«الشاميّة» يُمسكان بمعظم المناطق الخارجة عن سيطرة الدولة السورية في ريف حلب. ولن يكون من السّهل إغفال الوزن الميداني لـ«الجهاديين» المتمثلين بتكتلين أساسيين هي «جبهة انصار الدين» و«جبهة النصرة»، وعلى نحو أقل «حركة أحرار الشام»، مع ملاحظة أن دخول الأخيرة على خط حلول تفاوضيّة أمر ممكنٌ حال توافر ضوء تركي أخضر، شأنها في ذلك شأن «الجبهة الشّاميّة». في المحصلة، المُرجّح وفقَ قراءة للتداخلات العسكرية والسياسيّة في حلب أن تكون التسريبات السورية حول اقتراب اللحظة الحاسمة بمثابة رسالة مفادُها أنّ الفرصة الممنوحة لـ«تجميد القتال» هي الأخيرة، وفشل هذه الفرصة قد يدقّ «الساعة الصفر». لا يعني هذا بطبيعة الحال أنّ نجاح العمليّة العسكريّة سيكون أمراً سهلاً، بل ربّما كانت حينها مجرّد بدايةٍ لمعارك عنيفة غير مسبوقة في المنطقة، لا يُتوقّع أن تكتفي أنقرة بدور المتفرج عليها (من دون أن يعني ذلك انخراطُها فيها بشكل مباشر). كذلك لا يُستبعد أن يشهد الميدان حينَها حضوراً مُعلناً وكبيراً لحلفاء الجيش السوري على نحو مماثل لما يدور في الجنوب.

«مجلس قيادة الثورة» يرفض لقاء دي ميستورا

من دون أن يعني ذلك تقويضاً كاملاً لجهود المبعوث الدولي، ومع الأخذ في الاعتبار أن النفوذ الإقليمي قادرٌ على تغيير توجّهات «التكتلات والتحالفات الثوريّة»، تجدر الإشارة إلى الموقف الذي صدرَ أمس عن «مجلس قيادة الثورة السورية» في شأن مبادرة دي ميستورا. «المجلس» أعلن في بيانٍ له «رفض بجميع فصائله اللقاء مع المبعوث الدولي لمواقفه غير النزيهة تجاه ثورة الشعب السوري المطالبة بتحقيق حقوقه المشروعة في الحرية والحياة الكريمة». البيان جاء ردّاً على تصريحات ميستورا التي أكّد فيها أن «الرئيس السوري بشار الأسد يشكل جزءاً من الحل في سوريا»، وهي التصريحات التي اعتبرها البيان «مخزية ومنحازة». ويضم «المجلس» المذكور عدداً من المجموعات العسكرية الفاعلة في المشهد العسكري الشمالي، مثل «جيش المجاهدين، حركة نور الدين زنكي، جيش الإسلام، ألوية صقور الشام، وحركة حزم».




دي ميستورا قلق



قالت المتحدثة باسم المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا، جولييت توما، إن هناك قلقاً بشأن إعلان «مجلس قيادة الثورة» رفضه لقاء المبعوث الأممي لسوريا. وأكدت توما قائلةً: «بلغنا الإعلان المشار إليه وسنواصل متابعته باهتمام وقلق رد فعل الجماعات والكيانات المختلفة». ويُنتظر أن يُعلن دي ميستورا اليوم، أمام مجلس الأمن الدولي، موافقة الحكومة السورية على خطة تجميد القتال في حيّ صلاح الدين في حلب، تمهيداً لتعميم الخطة على باقي أحياء المدينة، في حال نجاح الخطوة الأولى.