مقاربتان للعمل السياسي في الأراضي الفلسطينية لإدارة الصراع الداخلي، المندلع منذ أكثر من عام، تدفعان باتجاه واحد؛ لا حوار في المستقبل المنظور
حسام كنفاني
الأحداث الأخيرة في الأراضي الفلسطينية عموماً، وفي قطاع غزة خصوصاً، تشير إلى أسلوب عمل سياسي وأمني متناقض يحكم صراع حركتي «فتح» و«حماس». أسلوب يتراوح بين المكر الذي يظهره الرئيس محمود عباس والمراهقة السياسية التي تمارسها الحركة الإسلامية الحاكمة في قطاع غزة.
الأسلوب اتضح منذ يوم الرابع عشر من حزيران الماضي، حين خرج الرئيس الفلسطيني فجأة إلى الإعلام ليعلن الدعوة والانفتاح على الحوار من دون أي شروط مسبقة. تصرّف عباس قوبل بالكثير من الارتياح في الأوساط الشعبية الفلسطينية التواقة إلى إنهاء حال الانقسام واستعادة الوحدة.
دعوة عباس، في باطنها، كانت نابعة من العديد من الحسابات السياسية، لم يكن بينها إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وهو ما اتضح من الأجواء اللاحقة التي كانت تتسرّب من مقرّ المقاطعة في رام الله. إلا أن ما بقي في ذهن الفلسطيني العادي هو «ظاهر المبادرة»، حتى وإن كانت لم تجد طريقها إلى التطبيق.
ومن الممكن القول إن حركة «حماس» لم تحسن التصرف مع ما أعلنه عبّاس، وهو ما يمكن أن يعلق في ذهن الفلسطيني كأحد أسباب عرقلة «المبادرة»؛ فالحركة الإسلاميّة تعاطت مع ما سماه الرئيس الفلسطيني «مبادرة» من اليوم الأول باستخفاف وتشكيك. قد يكون لمنطق «حماس» ما يبرره عملياً، ما دامت الدعوة لم تترافق مع أي إجراءات عملية، غير أنه ينمّ عن مراهقة سياسية ناتجة من التجربة المستحدثة للحركة في التعاطي مع الشأن العام، وهو كان ولا يزال يعوّل عليه عباس وحركة «فتح» لتأليب الرأي العام على «حماس». فقد كان بإمكان الحركة مواجهة دعوة عبّاس بانفتاح حذر وخفض سقف شروطها المسبقة في مرحلة أولية لجس نبض الجديّة في ما أعلنه الرئيس الفلسطيني، حتى وإن كانت مدركة أن هذه الجديّة غير موجودة.
حتى إن تصرف «حماس» في أعقاب «انفجار الشاطئ» الأسبوع قبل الماضي، كان غريباً على حركة حاكمة ومقاومة، من المفترض أن تكون حريصة ودقيقة في تعاملها الأمني، بدل شن حملة الاعتقالات العشوائية التي لم توفر كبيراً ولا صغيراً في حركة «فتح»، وساهمت في استجلاب انتقادات ممّن كان إلى الأمس القريب متعاطفاً معها.
ومرة أخرى كان مكر عباس حاضراً؛ فقد خرج بعد قمته مع الرئيس المصري حسني مبارك ليعلن انطلاق حوار الوحدة الوطنية الفلسطينية برعاية مصرية. وأرفق الإعلان بقرار إطلاق سراح قادة «حماس» المعتقلين لدى سلطة رام الله. إلا أن أياً من الأمرين لم يحدث، فلا الحوار انطلق ولا قادة «حماس» أفرج عنهم، باستثناء أربعة منهم. لكن ما بقي في الأذهان مرة أخرى هو الإعلان و«حسن النوايا» الظاهر الذي أبداه عباس.
ومرة أخرى أيضاً كانت مراهقة «حماس» حاضرة. فالحركة تلقفت دعوة أبو مازن بتشكيك وبمزيد من الاتهامات لـ«فتح» بالتورط في «مجزرة الشاطئ». وأرفقتها بحملة عسكريّة على بقايا «فتح» في غزة، وخصوصاً عائلة القيادي أحمد حلس، الذي كان يعدّ من المقربين من الحركة الإسلامية، وخاض معارك سياسيّة ضدّ ممارسات القيادي «الفتحاوي» محمد دحلان وتيّاره.
ولم تكتف «حماس» بذلك، بل بدا أنها تسعى، سواء عن قصد أو غير قصد، إلى استعداء باقي الفصائل الفلسطينية، عبر إغلاق إذاعة «الجبهة الشعبية»، فيما تروج أنباء عن توتر مع حركة «الجهاد الإسلامي»، ما يطرح الكثير من التساؤل عن غايات «حماس» وحكمة حكمها.


يتقن محمود عباس المناورة السياسية، وهو يستخدمها في إدارة الصراع مع «حماس»، سواء عبر المبادرات أو حديثه المستمر عن الحوار، وحتى إعلانه انطلاق الحوار. إعلانات فارغة من محتواها، إلا أنها تسعى إلى استقطاب ما كان أرضيّة نجاح «حماس» في انتخابات 2006