نحّاس: البرنامج مات في المهد... وإعادة النظر ببنوده ضرورة رشا أبو زكي
بين 25 كانون الثاني 2006 و6 آب 2008، دخل لبنان تحت وصاية برنامج مؤتمر باريس 3 الشهير، الالتزامات تتضمن 299 مبادرة «إصلاحية»، على أن تموّلها الدول المانحة بـ 7،6 مليار دولار معظمها جاء على شكل قروض. الانتصارات «الرقمية» التي تعلنها تقارير وزارة المال عن تقدم حاصل على مستوى تنفيذ «الإصلاحات» أصبحت مملة، على الرغم من بعض التشويق الذي تثيره المحاولات النوعية لتضليل قارئ التقارير وإيهامه بتحقيق «إنجازات» في تطبيق الالتزامات، وإقناع الرأي العام بأن برنامج باريس 3 أصبح على قاب قوسين من التنفيذ، فيما الواقع يشير إلى أن الالتزام يزداد صعوبة يوماً بعد يوم، وخصوصاً أن البيان الوزاري أقرّ بتغييرات طرأت على المشهد الاقتصادي والمالي المحلي والدولي تجعل من الضروري «إعادة النظر وتعديل المهل الزمنية التي التزم بها لبنان، وذلك لتتلاءم مع الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد خلال السنتين الماضيتين». لا بل إن البيان المذكور لم يأت على ذكر مصطلح «برنامج الحكومة في باريس 3» في معرض حديثه عن «التوجهات العامة للسياسة الاقتصادية والمالية والاجتماعية»، مستبدلاً إياه بعبارة «الالتزام بسياسة الإصلاح الاقتصادي التي تقدم بها لبنان إلى مؤتمر دعم لبنان (باريس-III)». أما التبريرات التي كانت تلازم الحديث عن عدم تنفيذ جميع بنود هذا البرنامج والتي كانت عادة «الوضع السياسي والأمني المتدهور»، فقد جرى دعمها بحجج إضافية «على الموضة» منها «فترة ولاية الحكومة المحدودة دستورياً»...

فيلم «التقدم»

يشير التقرير السادس لوزارة المال، الذي نشر أمس، إلى أن هناك «تقدماً في تنفيذ نتائج المؤتمر الدولي لدعم لبنان ـــــ باريس 3». معلناً «اتفاقات تمويل بقيمة 4،708 مليارات دولار، أي ما نسبته 63 في المئة من مجموع تعهدات الجهات المانحة التي شاركت في المؤتمر، والتي وقّعت حتى نهاية حزيران 2008»، ولافتاً إلى «أن لبنان تسلّم نحو نصف المبالغ التي جرى توقيع اتفاقات في شأنها». أما ترجمة هذا الكلام رقمياً، فهي أن لبنان وقّع حتى حزيران 2008 أي بعد سنة و5 أشهر من مؤتمر باريس 3 اتفاقات بقيمة 4،708 مليارات دولار من أصل 7،6 مليارات، لم يتسلم منها فعلياً سوى مليارين و350 مليون دولار فقط لا غير! ويضيف التقرير إن وزير المال محمد شطح توقع أن «يسهم إحياء المؤسسات الدستورية في زيادة برمجة تنفيذ التعهدات المالية»، مشيراً إلى العمل «لتوجيه الدعم المالي أكثر نحو دعم الموازنة»... فهل المشكلة هي غياب المؤسسات الدستورية، أم التغييرات الحاصلة على المشهد الاقتصادي والمالي المحلي والعالمي كما يقول البيان الوزاري؟ أم أن المشكلة في نوعية التعهدات التي تسعى الحكومة منذ التحضير لباريس 3 إلى توجيهها نحو دعم الموازنة حصراً، فيما الدول والمؤسسات تريد توجيهها نحو تمويل المشاريع ودعم القطاع الخاص؟.

نحّاس: موت شكلي وضمني

الخبير الاقتصادي شربل نحاس رأى أن برنامج باريس 3 مات في مهده، فقد ذهبت الحكومة إلى المؤتمر للحصول على هبات تسمح بخفض الدين العام وخدمته، إلّا أنها حصلت على الجواب القاتل لمطلبها خلال المؤتمر نفسه، مع إعلان الدول المانحة أن معظم الأموال التي ستقدمها قروض لا هبات، وأن غالبيتها موجّهة إلى المشاريع ودعم القطاع الخاص لا لخفض الدين العام، إذن من الناحية الفنية، كان يجب إعادة النظر بنتائج المؤتمر مباشرة عند انفضاضه، وهذا الموضوع لم يحصل. وعلى الرغم من الموت الشكلي، فإن الحكومة لم تعمل على تنفيذ ما ورد في برنامجها، بغضّ النظر عن صوابيته أو عدمه، لا بل نفّذت عكس بعض البنود التي عدّتها أساسية، إذ زادت عدد الموظفين في السلك العسكري مع أنها التزمت تجميد التوظيف، ورفعت الحد الأدنى للأجور على عكس ما صرحت في برنامجها، وفي ظل ولايتها ارتفع الدين العام والعجز...


تجربة فاشلة

63 في المئة

هي نسبة اتفاقات
التمويل الموقعة حتى نهاية حزيران بما قيمته 4،708 مليارات دولار، تسلم لبنان نحو نصف هذا المبلغ، وقالت وزارة المال إن القسم الأكبر من المبالغ التي جرى توقيع اتفاقات في شأنها مخصّص لدعم الموازنة، وقد بلغت 1،875 مليار دولار