«إن من يؤمن بأنه يمكن القضاء على هذه البنية التحتيّة بقصف جوّي يعيش في الوهم»مهدي السيد
كشفت صحيفة «معاريف» النقاب أمس عن أن إيران تمثّل الآن التهديد الاستراتيجي الأكبر لدولة إسرائيل، وفق ما جاء في خلاصة التقدير الاستراتيجي الذي طرح أخيراً في الجيش الإسرائيلي، وسيُرفع قريباً إلى المجلس الوزاري المصغر للشؤون الأمنية والسياسية.
وبحسب الصحيفة، يشير التقدير الاستراتيجي لعام 2009 إلى «وجود فارق هام بين التهديد الإيراني وسائر التهديدات لإسرائيل، حيث إن المداولات التي جرت في هيئة الأركان العامة بتعليمات من رئيس الأركان، غابي أشكنازي، ذكرت إيران بالاسم كمن يُمثّل اليوم التهديد الأول لوجود إسرائيل».
وبحسب التقدير، فإن «الدمج بين السعي لامتلاك القدرة النووية، والقدرات المتطورة في المجال الباليستي، والبرنامج النووي المتواصل بكامل الوتيرة، والانهماك المكثف في نشر الإرهاب في العالم عموماً، وحول إسرائيل خصوصاً، كل هذا يمنح إيران مكانة عليا في كل ما يتعلق بالتهديدات لإسرائيل».
وفي السياق، تابعت الأوساط الإسرائيلية باهتمام كبير عملية إطلاق القمر الاصطناعي التجريبي الإيراني، في ظل تباين بين الخبراء والمسؤولين الإسرائيليين حول أهمية هذا الإنجاز، خطورته ودلالاته. ففيما ذكرت «معاريف» أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية لا تعتبر إطلاق القمر «خطوة ذات مغزى أو دراماتيكية كما عرضتها الدعاية الإيرانية»، أشار نداف زئيفي في الصحيفة نفسها إلى التباين بين مواقف الخبراء في المؤسسة الأمنية إزاء هذا الموضوع؛ فثمة من يرى في عملية الإطلاق «إنجازاً إيرانياً»، وثمة في المقابل من يسعى إلى «التقليل من أهميته».
ونقل زئيفي عن محفل أمني إسرائيلي قوله تعليقاً على إطلاق القمر الإيراني، أن «الأمر يتعلق بحجر أساس جدي جداً في صناعة الفضاء الإيرانية». كذلك رأى خبراء إسرائيليون أن إطلاق القمر الاصطناعي هو «خطر كبير»، ويشير إلى أن إيران «أحرزت تقدماً في قدرتها على إطلاق صواريخ بعيدة المدى، وقفزت قفزة كبيرة في مجال إطلاق الصواريخ». وأضافوا أن «الصاروخ الذي أُطلق بواسطته القمر الاصطناعي الإيراني الأول، بإمكانه ضرب أي نقطة في أوروبا».
في المقابل، ادعى المتحدث باسم وزارة الدفاع الإسرائيلية، شلومو درور، أنه «يوجد الآن خردة إضافية في الفضاء». بينما قال رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية سابقاً، عضو الكنيست يتسحاق بن يسرائيل، إن إيران «لا تزال بعيدة جداً عن إطلاق قمر اصطناعي لأغراض التجسس». وأضاف أن «حالة الفزع التي أصابت بعض الجهات في إسرائيل بسبب إطلاق الصاروخ الإيراني إلى الفضاء أمس مبالغ فيها وهي تخدم بالفعل مصالح طهران التي تحاول ردع إسرائيل والولايات المتحدة من مهاجمة منشآتها النووية».
بدوره، رأى يفتاح شبير، رئيس مشروع التوازن العسكري في معهد أبحاث الأمن القومي، أنه على الرغم من أنه في «نهاية المطاف، هذه خطوة على طريق إطلاق قمر اصطناعي عسكري إيراني، إلا أن المسافة لا تزال بعيدة».
ونقل موقع «يديعوت أحرونوت» عن شبير تقديره أن باستثناء تحقيق «مكانة معينة، لا يوجد أي بشرى حقيقية في الإعلان الإيراني».
من جهته، لفت رئيس مركز أبحاث الفضاء في معهد «فيشر»، طال عنبر، إلى أنه «في اللحظة التي تصبح لديك القدرة على الوصول إلى الفضاء بواسطة صاروخ، يمكنك أن تستخدم هذه القدرة أيضاً في مجال صواريخ أرض ـــــ أرض لمدى بعيد جداً». ووصف عنبر، في «معاريف»، القمر الإيراني بأنه «مثل سبوتنيك الإيرانية»، قائلاً إن «الجميع يشعرون الآن بالضبط كما شعر الأميركيون عام 1957 عندما أطلق السوفيات إلى الفضاء سبوتنك. الغرب كان مصدوماًَ. ليس بسبب القمر الاصطناعي، بل بسبب الصاروخ الذي حمله إلى الفضاء».
كذلك، رأى محلل الشؤون العسكرية في «يديعوت»، أليكس فيشمان، أن ما حصل أكثر بكثير من مجرد إطلاق قمر اصطناعي للتجسس، ويعني أن «الهجوم لم يعد يجدي». وأضاف أنه «في كل مرة يكشف فيها الإيرانيون عن جزء من سباق التسلح، نكتشف نحن كم هي قوية بنيتهم التحتية». وحذر من أن من «يؤمن بأنه يمكن القضاء على هذه البنية التحتية بقصف جوي كهذا أو كذاك يعيش في الوهم».
وأشار فيشمان إلى أن «هذا المشروع الهائل لم يعد ممكناً منعه بقصف منشأة واحدة، كما حصل في بغداد، ذلك أن الحديث يدور عن وحش يُبنى أمام ناظري العالم»، مضيفاً أن ما يقلق بال خبراء الأمن في إسرائيل ليس «اللعبة الإيرانية الجديدة»، بل حقيقة أن هذه «المسرحية الفضائية كشفت النقاب عن شريحة أخرى في فسيفساء القوة التي يتألف منها التهديد الاستراتيجي الذي يبنى أمامنا».