في سعي لنفي ما تردد في أصداء سياسية عن لقاء طوني بلير مع قيادات من حركة «حماس» خلال زيارته لغزة قبل أيام، اختارت «حماس» أن ترد على مبعوث اللجنة الرباعية الدولية، عبر «الأثير»، وفق الوصف الذي استخدمه عضو المكتب السياسي للحركة، موسى أبو مرزوق.قبل الخوض في حديث أبو مرزوق، فإن زيارة بلير جرى تقييمها على الناحية الرسمية والإنسانية على أنها انتهت خالية الوفاض، إذ لم يقدم المبعوث الدولي سوى عبارات الأسى على حال غزة والتعبير عن ضرورة العودة إلى خيار التسوية ـ السلام، من دون أن يعطي وزراء حكومة التوافق أي وعود بإتمام إعمار القطاع، بعد اجتماع قصير لم يدم نصف ساعة، ولا حتى في لقائه رجال الأعمال. وزيارة بلير، التي سعت «حماس» من خلالها إلى تسويق غزة «واحة للأمان» عبر التأكيد أن «الحركة المسماة إرهابية» في أوروبا حمته لمئتي دقيقة، هي الزيارة الأولى منذ قرابة 15 عاماً، إذ كان في زيارة لمنطقة حدودية عام 2008، لكنه لم يدخل القطاع.

وكان بلير قد قدم مجموعة من النقاط اللافت أنها خلت من دعوة «حماس» إلى «نبذ العنف» وترك سلاحها والاعتراف بإسرائيل. إذ تحدث عن السلام ومدى الحاجة بعد عشرين عاماً من اتفاق أوسلو إلى «تقارب جديد» للسلام يبدأ من غزة، مقدراً أنه لو كانت «الظروف الميدانية على الأرض محفزة للسلام، لتمكن المفاوضون من إيجاد طريقة لحل قضايا الحدود وتبادل الأراضي، وحتى القدس، اللاجئين والضمانات الأمنية».
تلت زيارة موفد «الرباعية» جولة لوفد برلماني بلجيكي في غزة

وفيما كان يرى رئيس الوزراء البريطاني السابق أن غزة «مثال حي» على ما يقوله، فإنه لم يعتبر الضفة مثالاً جيداً، إذ أشار إلى ما تتحدث التقارير الدولية عنه هناك، حيث «الاقتصاد يتباطأ، والناتج القومي المحلي للفرد الفلسطيني أقل بعشر مرات من نظيره الإسرائيلي الذي لا يبعد إلا قليلاً عنه... وفي القدس فإن التوتر يصل إلى الذروة».
انطلاقاً إلى الشروط، حدّد بلير المعطيات وفق التالي أولاً، تحسين جذري في حياة الفلسطينيين اليومية، وثانياً سياسة فلسطينية موحدة (المصالحة) على أساس صريح داعم للسلام ولحل الدولتين (بمعنى دولة فلسطين ذات السيادة ودولة إسرائيل آمنة ومقبولة)، وثالثاً: دور محسّن للمنطقة، بالتحالف مع المجتمع الدولي الذي يجب أن يتحمل مسؤولياته في مشاركة القيادة حول هذه القضية.
وفي غزة تحديداً، فإنه لمّح إلى أن المصالحة (الداخلية) على ما يبدو تنهار. «وبالنسبة إلى مصر، وبسبب النتائج على الأمن الخاص بها، وقلقها حول علاقة حماس بالإخوان المسلمين والإرهاب في سيناء، فإنها تبحث عن ضمانات قبل أن تنفتح على أي حكومة هناك»، وهذا المقطع من الحديث بالضبط يعزز ما حكي عن دور بلير خلال الحرب الإسرائيلية الأخيرة ووجوده بصورة ملاصقة للرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، طوال أيام الحرب.
هنا أعاد الرجل التشديد على ضرورة «التغيير في غزة لفتحها وإعادة وصلها مع العالم... نحتاج إلى المصالحة في السياسة الفلسطينية، ومن أجل المصالحة، نحتاج إلى وحدة على أسس تدعم السلام»، ثم نقل رسالة المجتمع الدولي الذي يحتاج إلى «إيضاحات من حماس: هل هي حركة وطنية فلسطينية تخصص نفسها لتحقيق دولة فلسطينية، أم جزء من منظومة وحركة إسلامية ذات أبعاد إقليمية تختص بحكومات خارج غزة؟»، مضيفاً: «هل لدى حماس الاستعداد لقبول دولة فلسطينية على حدود عام 1967 أم لا، مع كون مثل هذه الدولة الحل النهائي للصراع؟»، ليخلص في هذا البند إلى أنه «في مثل هذه الحالة، فإن المجتمع الدولي سيتمكن من ترويج ودعم إعادة الإعمار جنباً إلى جنب مع المصالحة».
وعن الجانب المصري، شرح بلير أن مصر يجب «أن تحصل على ضمانات ذات صدقية حول أمنها، مع ضمانات بأن غزة لن تستخدم كقاعدة لأي نشاطات إرهابية في سيناء، وأنه سيكون هناك تعاون مع الحكومة المصرية لمنعه»، في مقابل أن «تكون معابر غزة مفتوحة بطريقة تسهل حركة الأفراد والبضائع، فيما على إسرائيل أيضاً أن تفعل كل ما تستطيع لدعم إعادة الإعمار وفتح معابرها، وفي النتيجة على مصر (بعد ذلك) أن تقود مفاوضات حول المستقبل البعيد المدى لغزة، بما في ذلك قضايا مثل المطار والميناء».
في المقابل، تلقف أبو مرزوق هذا الحديث كله، ليؤسس عليه أن بلير لم يطرح قضايا كان يتبناها «أثناء عمله رئيساً لوزراء بريطانيا، واعترافه بخطئه لاحقاً عبر تصريحاته في كانون الثاني 2009، التي أوضح فيها اعترافه بمركزية حماس في عملية الصراع والسلام».
وبعدما اعتبر القيادي الحمساوي أن كلام بلير «باسم المجتمع الدولي»، شدد، أولاً، على أن المصالحة الفلسطينية تم إنجازها، «ولا نعلم ما هو المطلوب أكثر من حماس». وثانياً أوضح أبو مرزوق أن «قضية دولة فلسطينية في حدود 67 المشكلة فيها ليست عندنا، ولكن عند الجانب الآخر»، في إشارة إلى إسرائيل.
وبشأن علاقة «حماس» بجماعة الإخوان المسلمين، رأى عضو المكتب السياسي أن هذه القضية «ذريعة» لا تصلح في وضع تشارك فيه الحركات الإسلامية، بصورة أو أخرى، في النظم السياسية لبلادها، وبعد ذلك استطرد في شرح قضايا لها علاقة بـ«مواقف حماس الثابتة»، لكنه بشأن مصر رأى أن «الحملة الإعلامية والقانونية على حماس جميعها افتراءات ظلماً وعدواناً، فيما ليس لنا حق الدفاع عن النفس، أو حتى التواصل مع القوى السياسية لإبداء وجهة نظرنا!».
وفي ساعة لاحقة، أعاد أبو مرزوق التعقيب على المقترح السويسري الخاص برواتب موظفي غزة، قائلاً إنه «لم يعرض علينا إلا مؤخراً، وهو بحاجة إلى بعض التعديلات التي تتوافق مع ما تم التوقيع عليه في اتفاقات المصالحة»، وهو المقترح الخاص بدفع الأوروبيين رواتب موظفي حكومة «حماس» السابقة، فيما بقيت بنوده طي الكتمان خلا بعض التسريبات.
في غضون ذلك، تنشط الحركة السياسية الأوروبية في غزة على غير العادة، إذ وصل، أمس، وفد برلماني بلجيكي عبر معبر بيت حانون «إيريز»، في زيارة استغرقت ساعات، من أجل تفقد آثار ما خلّفته الحرب الإسرائيلية، والالتقاء مع وزراء الوفاق، ومسؤولين أمميين.
وفي إطار متصل، يصل إلى الكويت اليوم رئيس الوزراء، رامي الحمدالله، تلبية لدعوة رسمية من نظيره الكويتي، جابر الصباح، في زيارة تستمر ثلاثة أيام سيجري خلالها مباحثات مع المسؤولين الكويتيين، من ضمنها ملف إعادة إعمار غزة.
(الأخبار، الأناضول)