السنيورة يفرض رؤيته السابقة ويدفع بالزراعة إلى المجهولمحمد وهبة
لم يعد وزير الزراعة الياس سكاف «باجتراح المعجزات» عندما عُيّن وزيراً للزراعة، لكنه تحدّث، في حديث سابق لـ«الأخبار»، عن الإصلاحات الزراعية الأساسية التي يحتاج إليها القطاع في هذه المرحلة، ولا يحتاج تنفيذها إلى أي معجزة... معظم هذه الإصلاحات لم يرد ذكره في البيان الوزاري، ولا سيما «تحسين موازنة وزارة الزراعة وإعادة العمل بقانون إنشاء بنك الاعتماد الزراعي وتفعيله، وإنشاء صندوق الضمان الزراعي»، فهل تمكّن رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وفريقه من «زرع» رؤيتهم السابقة للقطاع التي تُرجمت في الحكومات المتعاقبة، في بيان هذه الحكومة؟

إهمال وممانعة

بحسب المعلومات، فإن إغفال البيان للنقاط التي كان سكاف يسعى لتحقيقها سببه عدم إصرار سكاف عليها، و«ممانعة» قادها رئيس الحكومة فؤاد السنيورة في جلسات مناقشة البيان، ولأن أحد مستشاري سكاف ارتأى وضع النص بالشكل الذي أتى فيه، أي من دون أن يتطرق البيان إلى خطوات هدفها معالجة عناصر الضعف الأبرز في القطاع وهي: ارتفاع كلفة الإنتاج، كيفية تصريف الإنتاج، آليات دعم المزارعين.
ومن أبرز النقاط التي جرى التفاهم عليها بين سكاف والسنيورة هي تلك المتصلة بنوع من «خصخصة» بعض أجزاء القطاع الزراعي مثل الإرشاد الزراعي، إذ ينصّ الاتفاق على أن تتولى منظمات المجتمع المدني والقطاع الخاص عملية الإرشاد الزراعي بدلاً من وزارة الزراعة، لتسويق الأصناف المرغوبة ونشرات التوعية واستخدام البذور... علماً بأن عملية الإرشاد لا يمكن أن تحصل من دون فريق مختص من الوزارة يضع سياسة الإرشاد الزراعي المطلوبة في لبنان، وهذا بدوره يحتاج إلى توظيف كوادر جديدة وتأهيلها، إلا أن السنيورة استطاع، من خلال فكرة إدخال القطاع الأهلي، تلافي طلب التوظيف في الوزارة التي تعاني شغوراً حاداً بنسبة تتجاوز 70 في المئة، علماً بأن سكاف قال سابقاً إن المباشرة بالإرشاد تحتاج إلى نحو 45 مهندساً وموظفاً.
وتقول مصادر مطلعة إن عنصر الكلفة الأساسي في القطاع الزراعي الذي يمكن التحكم به هو «الري»، فإذا جرى تأمين مياه الري لأي مشروع زراعي، يمكن أن تخف كلفته بنحو 20 في المئة، ولذلك كان يجب السعي إلى ترسيخ هذا المطلب الزراعي في البيان الوزاري ليذكر إنشاء مشاريع ري وآبار وسدود... إذ إن عناصر الكلفة تشمل استثمار الأرض المرتفعة في لبنان مقارنة بالدول المحيطة، ولا يمكن التحكم في هذه الكلفة أو اليد العاملة الأجنبية لاتصالها بعوامل اقتصادية شاملة، وبما أن أكثر من 70 في المئة من مالكي الأراضي الزراعية هم من صغار المالكين، فإن هذا يحدّ من تطبيق التكنولوجيا المتقدمة، ولا سيما أن فاعلية التعاونيات الزراعية محدودة (400 تعاونية مسجلة في لبنان)، فهي تسعى إلى الأمور المجانية و«للوجاهة» فقط، وتقوم بأقل من قدراتها الفعلية، أي التكتل بهدف الحصول على أسعار تخفف الكلفة مثل سعر البذار والأسمدة... لكن رئيس اللجنة الزراعية في غرفة التجارة والصناعة والزراعة في الجنوب رفلة دبانة يرى البيان الوزاري «برنامج عمل غير كامل»، مشيراً إلى ضرورة الانفتاح على القطاع الخاص، إذ إن المزارعين لم يصلوا إلى مستوى كاف يرفع قدرتهم التنافسية، وبالتالي لم يعد هناك مكان لأي مزارع يزرع أي شيء وبأي طريقة».

التسليف الزراعي طار!

وتشير الفقرة 45 من البيان الوزاري إلى «تشجيع التسليف الزراعي عبر التشجيع على إعطاء حصة أكبر من القروض المدعومة عبر مؤسسة كفالات»، أي إن البيان لا يذكر قانون التسليف الزراعي الذي ينشئ بنك الاعتماد الزراعي، ويقول رئيس جمعية المزارعين اللبنانيين أنطوان حويك إن صغار المزارعين لا يستفيدون من القروض التي تقدمها «كفالات»، لأنهم يحتاجون إلى قروض صغيرة الحجم، ولأن مخاطر السداد لديهم مرتفعة (الطبيعة تتحكم في الإنتاج، أزمة في التصريف تخفض الأسعار وترفع الكلفة على المزارع)، كما أن صغار المزارعين يريدون الاستفادة من قروض مجهرية وصغيرة لا يمكن لكفالات تأمينها.
وبحسب الخبراء، فإن مشكلة بنك الاعتماد الزراعي محصورة في طريقة تمويله التي يمكن تطويرها لتصبح حصة الدولة 70 في المئة، و30 في المئة القطاع الخاص (حالياً 80 في المئة من القطاع الخاص و20 في المئة للدولة)، وإنشاء مؤسسة ضمان الاستثمار التي تضم المزارعين وتضمن قروضهم.

إلغاء الدعم السياسي؟

ويرى بعض المطلعين على الملف الزراعي أن «إعادة النظر ببرامج الدعم وآليات الدعم المعمول فيها حالياً لتطال عدداً أكبر من المستفيدين» هو أمر سياسي بامتياز، فقد أعيد العمل ببرنامج «إكسبورت بلاس» على اليد نفسها التي أوقفته، ولا يمكن لأحد وقف دعم العائلات التي تعتاش من زراعة التبغ، لأنه دعم سياسي. ويؤكد رئيس اللقاء الزراعي جهاد بلوق حاجة المزارعين إلى الدعم المباشر وغير المباشر من الدولة، على أن يقترن ويتزامن مع «برنامج زراعي متكامل يلحظ كلفة الإنتاج وارتفاع الأسعار ووقف الاحتكارات التي تزيد الكلفة»، أي إن التذرع بأنواع الدعم «السياسي» لا يلغي ضرورة زيادة موازنة وزارة الزراعة لتقوم بدورها التنموي والإرشادي والتدريبي.
ولم يتطرق البيان إلى كيفية تصريف الإنتاج، فهو قد ركّز على «تشجيع بعض الزراعات الاستراتيجية كالقمح والعلف» و«استغلال أفضل للموارد الزراعية من أراض قابلة للزراعة ومياه وكفاءات بشرية»، من دون أن يشير إلى كيفية تصريف إنتاج هذه الزراعات وكيفية خفض أكلافها لتكون منافسة في الأسواق الإقليمية والمحليّة، وهذا يتطلب التعاون بين القطاعين الخاص والعام.


200 ألف مزارع

هو عدد مزارعي لبنان في مقابل وجود 25 مرشداً زراعياً، وبالتالي يترتب على كل مرشد أن يطّلع على المشكلات الزراعية الخاصة بنحو 8 آلاف مزارع في لبنان، مما يستوجب من القطاع التعليمي ردم هذه الهوة، علماً بأن كل مرشدي الوزارة قد تقاعدوا منذ فترة


خارج الاختصاصالمناطق الريفية