ليست المرّة الأولى التي يُكَذَّب فيها رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي من حلفائه في واشنطن، كلّما أقدم على التفوّه بشيء «كبير»، كحديثه عن مواعيد لانسحاب جيش الاحتلال من بلاده، أو حتّى طلب جدولتهتكرّر سيناريو إطلاق التصريحات المتناقضة في بغداد وواشنطن مراراً في الأسابيع الأخيرة، منذ فُتحَت شهيّة نوري المالكي فجأة على همّ استرجاع السيادة. وفي الأمس أيضاً، لم يكد المالكي يعلن أنّ «أي جنديّ أميركي لن يبقى في بلاد الرافدين بعد عام 2011»، حتى أتته الردود من البيت الأبيض ومن وزارة الدفاع الأميركية، نافية وجود أي اتفاق على موعد لجدولة الانسحاب الأميركي. ولم يكن ردّ رئيس مجلس النواب العراقي محمود المشهداني على رئيس حكومته أقلّ وطأة من الردّ الأميركي، فالاتفاقية (الأميركية ــ العراقية) «لن تمرّ من خلال البرلمان العراقي بالتأكيد» على حدّ تعبيره.
وبما أنّ المالكي يرى أنّ الوحدة العشائرية والقبائلية في بلاده مهمّة للغاية في العراق الحديث، اختار مناسبة حضوره مؤتمر قبائل بني لام في بغداد، ليعلن وجود اتفاق مع الإدارة الأميركية «بعدم وجود أي جندي أجنبي في العراق بعد عام 2011»، مشيراً إلى وجود تقدم كبير في الاتفاقية، رغم تشديده على أنّه «ما زالت هناك نقاط خلاف جوهرية لدى الطرفين».
ووضع المالكي مجموعة «خطوط حمراء» ستحكم موافقة بلاده على بنود أي اتفاقية تعقدها حكومته مع واشنطن. وأهمّ تلك الخطوط أنّ «السقف الزمني المفتوح لبقاء القوات الأجنبية ممنوع، وألا تتضمن بنداً يسمح بأعمال عسكرية أجنبية تجري من دون الاتفاق مع الحكومة العراقية وعدم القبول بإعطاء حصانة مفتوحة».
وبشأن النقاش الدائر في بغداد عن احتمال عدم عرض الاتفاقية المذكورة على البرلمان العراقي، جزم المالكي بأنّ الشعب «سيطّلع على الاتفاقية الأمنية وسنعرضها على مجلس النواب»، منتقداً السياسيين «الذين يظهرون في وسائل الإعلام ويزيفون الحقائق بشأن الاتفاقية».
ولم تمرّ ساعات على كلام المالكي، إلا ونفى المتحدث باسم البيت الأبيض طوني فراتو وجود أي اتفاق بين إدارته وحكومة العراق على وضع القوات الأميركية المستقبلي. وقال فراتو إن «المفاوضات مستمرّة، لكن لم ننجز أي اتفاق بعد»، رغم حديثه عن «الخطوات الهائلة» التي حقّقتها القوات الأمنية العراقية.
تكذيب ما أعلنه المالكي جاء أيضاً على لسان المتحدّث باسم البنتاغون بريان وايتمان الذي ردّ على رئيس الوزراء العراقي، لافتاً إلى أنّ «الاتفاق لم يُنجَز بعد، ولا تزال التفاصيل موضوع نقاش بين الطرفين».
ومن عمّان، توقع المشهداني ألّا يصادق برلمانه على الاتفاقية، إذ «بحسب قراءتي لفهم البرلمانيين، فإن اتفاقية كهذه لن تمر من خلال البرلمان العراقي». وأضاف المشهداني: «في هذه اللحظة التي أتكلم بها، لا الحكومة العراقية جاهزة لهذه الاتفاقية، ولا البرلمان بكل أطيافه، إلا القليل منهم».
ودعا المشهداني «الذين يرون أن هناك مصلحة في بقاء القوات المتعددة الجنسيات في العراق إلى أن يجدوا مخرجاً خارج البرلمان، أما داخل البرلمان فالأمر منتهٍ، ولن تمر هذه الاتفاقية بالتأكيد». وأكد أنه «لا يمكن دولة لم تحصل على استقلالها الناجز أن تعقد اتفاقية مع دولة عظمى مهيمنة على العالم، لأن هناك نقصاً في الأهلية»، مشيراً إلى أن «هذه الاتفاقية تهم أجيالاً كثيرة ومستقبل العراق فلماذا هذا الاستعجال؟».
(أ ب، أ ف ب، رويترز، الأخبار)