تعديات يحميها السياسيون والهدر بمليارات الدولاراترشا أبو زكي
لن تعود الأملاك البحرية والنهرية إلى الشعب اللبناني... التعديات ستستمر... وروزنامة أولويات حكومة الانتخابات، التي تريد «وقف الهدر والسرقات» بواسطة الشعارات فقط، لا تشمل سرقة الشاطئ اللبناني المقدّرة كمّياً بحوالى 20 مليار دولار (أي بما يوازي نصف الدين العام اللبناني تقريباً)، فهذه السرقة الكبرى موزعة حصصاً وعلناً على معظم الأحزاب والشخصيات السياسية النافذة في لبنان من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب. وأمام هذا الواقع المخزي، أصبح لا بد من إعادة النظر بكتب الجغرافيا التي تجبر طلاب لبنان على حفظ معلومة تفيد بـ«أن مساحة الشاطئ اللبناني تبلغ 220 كيلومتراً مربعاً»، إذ بات واجباً أن يضاف إليها عبارة «قبل أن يقتطع السارقون والمعتدون معظمهما لخدمة مصالحهم الشخصية، فلم يبق منها للّبنانيّين عموماً سوى 40 كيلومتراً مربعاً، (وفق منشورات إسكوا ـــــ الدكتور سامي لقيس)، على أبعد تقدير»!.

مصطلحات تخفيفيّة

واللبنانيّون بالطبع لم يعتادوا تصديق ما تورده البيانات الوزارية من شعارات وخطط، فكيف إذا كان البيان الوزاري صادراً عن حكومة انتخابات؟ فقد ورد في البيان الوزاري لحكومة «الوحدة الوطنية» عبارة أن «الحكومة ستسعى بالتعاون مع المجلس النيابي إلى إعادة تنظيم الشاطئ بما يضمن حقوق الشعب، وإلى معالجة مشكلة المخالفات على الأملاك البحرية العمومية». واللافت أن أكثر من مصدر وزاري أكد لـ«الأخبار» أن هذا البند لن يُعمَل عليه خلال ولاية الحكومة الحالية، والسبب يعود بالتأكيد إلى طبيعة الأشخاص الذين يستولون على الأملاك البحرية، وهم من كبار النافذين في الدولة... وعلى الرغم من ذلك تكمن في هذه العبارة لبّ الرواية، فإعادة تنظيم الشاطئ اللبناني ليست بحاجة إلى تعاون بين المجلس النيابي ومجلس الوزراء، فمشروع ترتيب الأراضي الذي أُنجز لمصلحة مجلس الإنماء والإعمار جاهز للتنفيذ، إضافة إلى عدد كبير من الخطط والمشاريع المهمة في هذا الإطار.
أما مصطلحا «معالجة» و«مخالفات» الواردان في البيان الوزاري، فلهما قصة أخرى، بحسب أحد الوزراء، فما يجري على الشاطئ اللبناني هو وفق القانون تعدٍّ على الأملاك العامة، وبالتالي على الأموال العامة، وهو ليس بطبيعة الحال مجرد «مخالفة»، في حين أن طريق الحل ليست «علاجية»، لا بل يجب، وفق القانون، أن تكون استئصالية. وهنا لا بد من كشف لعبة مستورة، إذ تحاول هذه الحكومة، كما سابقاتها، إمرار مصطلحات تخفيفية لفعل الجرائم التي يرتكبها المعتدون على الأملاك العامة البحرية، إذ تنص المادة 23 من القرار التشريعي الرقم 144/25 أنه حين يرتكب تعدٍّ على الأملاك العمومية البحرية، مشكّلاً جرماً جزائياً، كأن يقوم أحدهم بردم الشاطئ أو الاستيلاء عليه، هنا يأتي دور النيابة العامة لملاحقة هذا الجرم. ويشرح المحامي إيلي مسعود في كتابه عن «الأملاك العمومية البحرية من حيث الواقع والاجتهاد والقانون»، وفي تحليل قانوني ممنهج، أن «الاستيلاء والردم في الأملاك العامة البحرية وما شابهها هي جرائم وليست مخالفات، وتخضع بالتالي لقانون العقوبات، ولا سيما المواد 257 و737 و838 منه».

هنا الهدر

وكان صندوق النقد الدولي قد أعدّ دراسة عن الإجراءات التي من الممكن أن تزيد عائدات الموازنة من الناتج المحلي عبر القيام بعدد من الإجراءات الإصلاحية. ولفتت الدراسة إلى ضرورة تسوية المخالفات البحرية، وتحقيق دخل إضافي بعدها نتيجة تطبيق قانون تنظيم الأملاك البحرية. مشيرة إلى أن هذا الإجراء يزيد 0,1 في المئة من الناتج. فيما تؤكد دراسة «الأملاك البحرية بالأرقام والأسماء» أن بعض المحظوظين حاولوا شرعنة اغتصابهم للأملاك البحرية العامة من خلال إصدار بعض القوانين التي لا تراعي المصلحة العامة، وأنه إذا وُضعت الغرامات المناسبة على شاغلي هذه الأملاك إلى أن تُزال فستجمع ما يزيد على عشرين مليار دولار، إضافة إلى توفير مورد سنوي مرتفع ومستمر للخزينة العامة.
فالأملاك العمومية البحرية توزعت بين أملاك مرخصة يدفع شاغلوها رسوماً رمزية جداً تقدر سنوياً بـ 3 مليارات ليرة فقط ولا تتعدى الجباية الفعلية 200 إلى 250 مليون ليرة سنوياً، فيما لا يجب أن تنخفض هذه الرسوم عن 30 مليار ليرة سنوياً وفق دراسات متعددة تدعو إلى زيادة الرسوم. وهناك أملاك مشغولة وغير مرخصة، والتعدي عليها واضح، ويجب أن تحصّل الدولة رسوماً منها بحوالى 9,5 مليارات ليرة سنوياً، إضافة إلى إشغالات قامت بها بعض المؤسسات العامة والبلديات من دون تراخيص قانونية.
وتلفت دراسة «الأملاك البحرية» لشركة «الدولية للمعلومات» أن مساحة الأملاك العمومية المشغولة قانونياً تبلغ 876 ألف متر مربع، تشغلها 94 شركة ومؤسسة خاصة أو أفراد، في حين أن عدد المخالفات في الأملاك العمومية يبلغ 1269 مخالفة حتى عام 2001. كذلك تشغل البلديات ومرافئ الصيادين والمؤسسات العامة مساحات ضخمة من الشاطئ من دون تراخيص، ليصل مجموع المساحات المشغولة من دون تراخيص إلى 2,803 ألف متر مربع من الشاطىء!

المداخيل الممكنة

تشير الدراسات إلى أنه يمكن الحصول على 4,2 مليارات ليرة سنوياً من الأملاك المرخصة و6,4 مليارات ليرة من غير المرخصة عبر زيادة الرسوم المفروضة على شاغليها، و20 مليار ليرة من تسوية المخالفات. وأخرى تشير إلى وجوب حصول الدولة على 56,3 مليار ليرة من الأملاك المرخصة و273 مليار ليرة من غير المرخصة سنوياً، فيما تؤكد مصادر لـ«الأخبار» أن عائدات التسوية وبدلات الإشغال السنوية ستوفر موارد للخزينة تقاس بمليارات الدولارات لا مليارات الليرات! أما المشاريع والخطط التي تقدمت بها غير جهة لإنهاء ملف التعديات، فقد غفت في أدراج مجلسي الوزراء والنواب. فالعقبات كثيرة، وأبرزها على الإطلاق اليد السياسية التي تضغط لكتم أنفاس هذا الملف... ولا تزال!


المادة 73 من قانون العقوبات

من يستولي من دون مسوّغ شرعي على عقار أو قسم منه بقصد السكن أو الإشغال أو... يعاقَب بالحبس من شهر إلى سنة وبغرامة مالية. ومن الحالات التي تقتضي العقوبة وفقاً للمادة 257 استمرار المتعدّي بوضع يده على العقار أكثر من شهرين


متى المحاسبة؟