حسام كنفانيانطلق الحوار الفلسطيني الثنائي في القاهرة. خطوة أوليّة مهمة في طريق يبدو طويلاً جداً، ومن دون أفق واضح أو أرضية تؤمن الوصول إلى الهدف المرتجى، وهو المصالحة الفلسطينية. حوار يبدو أنه ملهاة مؤقتة تحرّك الركود في الأزمة الداخلية، من دون تنقيتها من الشوائب العالقة بها.
الأجواء الممهدة لحوار القاهرة لا تبشّر بالنجاح، في ظل الخلاف المستشري بين العاصمة المصرية وحركة «حماس»، والذي تظهّر في عدم تلقّي الأخيرة إلى الآن دعوة للمشاركة في الاجتماعات الثنائية، رغم توزيع دعوات على فصائل هامشية في الساحة الفلسطينية، على غرار جبهة «النضال الشعبي»، التي يتزعمها سمير غوشة.
عناوين الخلاف المصري ـــــ «الحمساوي»، الذي ينعكس يومياً في صحف القاهرة ذات الارتباطات الواضحة بالأجهزة الأمنية، باتت محصورة بمعبر رفح ومكافحة الأنفاق وملف جلعاد شاليط ومعتقلي الحركة الإسلامية في السجون المصرية. إلا أن مصادر فلسطينية مطّلعة تؤكّد لـ«الأخبار» أن القاهرة لن تغامر بدعوة «حماس» وهي مدركة بأن الحوار سيكون فاشلاً، ولا سيما أن الحركة رفضت تقديم ضمانات لتسليم الأجهزة الأمنية في قطاع غزّة. وتشير إلى أن الأمين العام لحركة «الجهاد الإسلامي»، رمضان عبد الله شلّح، الموجود في القاهرة حالياً، يسعى إلى تقريب وجهات النظر بين المسؤولين المصريين و«حماس».
وسط هذه الأجواء، انطلق الحوار الثنائي، الذي لا تبدو عليه أي ملامح جدية، وهو ما تشي به تصريحات المسؤولين في «حماس» و«فتح»، ولا سيما أن الطرفين يترقبان استحقاقين سيكونان حاسمين في تحديد التوجه في الحوار الداخلي.
ومن الواضح أن «فتح» تترقّب نهاية العام لاختبار وعود الرئيس الأميركي جورج بوش. فرغم المراوحة في مفاوضات التسوية والاقتراحات الإسرائيلية التي لا ترقى إلى المطالب الفلسطينية، إلا أن الرئيس محمود عباس لا يزال ينتظر الأيام الأخيرة الفاصلة عن نهاية ولاية الرئيس الأميركي، بناءً على تعهّد شخصي قطعه بوش لأبو مازن خلال لقائهما الأخير في مقر المقاطعة في رام الله.
هذا التعهد هو ما يرفعه أبو مازن خلال لقاءاته مع قادة فصائل منظمة التحرير لتبرير استمرار المفاوضات مع إسرائيل، مشيراً إلى ضرورة «إعطاء الأميركيين فرصة». صدقية هذا التعهد ونجاح الفرصة سيكونان جوهريين في تحديد إطار التعاطي الداخلي مع حركة «حماس»، ولا مانع من إضفاء أجواء من المصالحة الداخلية لتسهيل تمرير أي اتفاق في مرحلة لاحقة. توجُّه عبّر عنه رئيس الكتلة البرلمانية لحركة «فتح»، عزام الأحمد، الذي قال إن «ما يجري في القاهرة من دعوة الفصائل الوطنية إلى الحوار مضيعة للوقت تحت شعار تهيئة الأجواء».
هذا ما تقرأه حركة «حماس» في توجه الرئيس الفلسطيني إلى الحوار الداخلي، وهي لم تخف ذلك في تصريحات مسؤوليها. لكن الأخطر في برنامج «حماس» المكتوم هو ترقّب نهاية ولاية محمود عباس، والتصرف على أساس أن السلطة من دون رأس. الحركة الإسلامية لا تعلن ذلك صراحة، إلا أن التوجه واضح.
المتحدث باسم الحركة، سامي أبو زهري، كان واضحاً في الإشارة إلى أن الرئيس الفلسطيني «في الأشهر الأخيرة من ولايته». والقيادي في «حماس»، محمود الزهار، تحدّث صراحة عن موعد نهاية العام «لرحيل الضعفاء الثلاثة» (عباس وإيهود أولمرت وجورج بوش)، مشيراً إلى أن الحركة على موعد مع انفتاح العالم عليها بعد هذا التاريخ (عودة العلاقات بين الحركة والأردن نموذجاً). وأضاف «أن الطرف الموجود في رام الله (عباس) لا يريد المصالحة حتى تجفّ المياه من البركة الأميركية، ويتم عدّ الضفادع الموجودة فيها».
بات جليّاً ان عين «حماس» اليوم على الرئاسة الفلسطينية، التي كانت إلى الأمس القريب الجامع الوحيد بين سلطتي غزة ورام الله، إذ كانت الحركة تجاهر باعترافها بسلطة الرئاسة، حتى في عزّ الأزمة مع «فتح»، وغياب هذه النقطة الجامعة سيكمل الفصل بين الطرفين الفلسطينيين. غياب ستعلنه «حماس» من جانب واحد، ولا سيما أن «فتح» تستند إلى التعديلات الأخيرة في القانون الأساسي، الذي ينصّ على إجراء الانتخابات الرئاسية والتشريعية في وقت واحد، لتشير إلى أن ولاية عباس تنتهي عام 2010.