كان أهالي برعشيت يعتاشون من زراعة الشمام، إلى أن جاءت حرب تموز، فحرقت المواسم، وبثّت الحشرات في الشتول، وأصبح الشمام لغماً مؤقتاً سيقضي على معيشة مئات المزارعين، أما التعويضات فـ«على الوعد يا كمون»!
برعشيت ـــ داني الأمين
بلدة «الشمّام» أصبحت تعاني تراجع إنتاجها الزراعي الخاص، بسبب آثار حرب تموز، وشح المياه، وانتشار الحشرات الضارة، وذلك بعد نحو عشر سنوات على تجدد أمل المزارعين في بلدة برعشيت وبعض القرى المجاورة بتحسن إنتاجهم الزراعي، وجودة حقولهم الزراعية المؤاتية لإنتاج الشمام البلدي ذي الطعم المميز، والشبيه بطعم فاكهة «الأناناس»، ولا سيما أن الزراعات التقليدية أصبحت لا تؤمن المردود اللازم لمواجهة أعباء المعيشة.
فالطلب على «الشمام البرعشيتي» كما سمي لاحقاً، ازداد بسرعة فائقة، ما أدى إلى تهافت المزراعين من برعشيت والقرى المجاورة على هذا النوع من الزراعة، التي تضاهي بمردودها زراعة التبغ.

نقطة البداية

وقد سعت بلدة برعشيت للمحافظة على ما بقي من أبنائها المقيمين بإحياء أراضيها الزراعية بعدما تبين للأهالي الميزة الفريدة لتربة حقولهم في إنتاج هذا النوع من الزراعة. ويعود الفضل في ذلك إلى الأستاذ جورج يعقوب، أحد أبناء البلدة، كما يجمع أهالي برعشيت الذين يرون أن «يعقوب هو الذي أجرى دراسة على التربة وتأكد من ميزتها في إنتاج الشمام البلدي»، حتى فاقت شهرة الشمام البرعشيتي شهرة الزراعات الأخرى في الجنوب، وبدأت منتجاته تغزو الأسواق اللبنانية في بيروت وصيدا وصور والشمال والبقاع، وأصبح يورّد إلى العديد من المطاعم في لبنان وبعض الدول العربية كالكويت والسعودية.
امتلأت حقول برعشيت بشتول الشمام قبل التحرير، وعلى مقربة من موقع برعشيت الإسرائيلي الذي كان يشرف على القرى والبلدات المحررة، ومنها الجزء الأكبر من برعشيت، وأصبحت هذه الزراعة تخص برعشيت وبعض القرى المحاذية لها كبيت ياحون وصفد البطيخ.

تأثير حرب تموز

ويقول المزارع علي فرحات «أجرى الأستاذ جورج يعقوب تجارب زراعية عدة في البلدة، إلى أن أتى ببذور الشمام المسماة «بذور تانيا»، فجلب الحظ إلى مزارعي البلدة التي سرعان ما امتلأت حقولها الزراعية بالشمام، وبات الموسم يباع في كل لبنان وبأسعار مربحة، لكن حرب تموز قضت على الجزء الأكبر من هذه الزراعة، إضافة إلى الغلاء الفاحش للمواد الزراعية وبدلات مياه الري وفلاحة الأراضي». ورغم ذلك، فإن أبناء برعشيت بدأوا بفتح سوق خاص بالشمام البرعشيتي على مثلث برعشيت، شقرا، صفد البطيخ، بدعم من المجلس البلدي.
لكن المواسم الزراعية بعد حرب تموز تختلف عما قبلها، إذ يقول أحد تجار الشمام البرعشيتي، طلال شهاب «منذ سنتين تراجعت الزراعة في البلدة بسبب تسمم الحقول من جرّاء القصف الإسرائيلي في تموز 2006، ما أدى إلى تقلص حجم حبة الشمام، التي كان يفوق وزن الواحدة منها الكيلوغرامين، إلى ما يقارب الكيلوغرام الواحد أو ما دون، إضافة إلى يباس الكثير من شتول الشمام بسبب الحشرات الجديدة التي غزت الأراضي».
ويؤكد على ذلك فرحات قائلاً «انتشرت حشرة سوداء تلمع كالزجاج في حقول برعشيت، وهي تقضي على أغلب الموسم الزراعي ولم نجد لها أي دواء يقضي عليها حتى الآن، فأصبح الدونم المزروع لا ينتج أكثر من 500 كيلوغرام بعدما كان ينتج أكثر من 1000 كيلوغرام، إضافة إلى أن كلفة زراعة الدونم تصل إلى مليون ليرة، رغم أن سعر الكيلوغرام الواحد هو 1500 ليرة لبنانية، وذلك بسبب الحاجة الماسة إلى شراء مياه الري الذي لا تؤمنه الدولة، فنقلة الماء تكلف 35000 ليرة لبنانية».

لا تعويضات

أبو جورج يعقوب يشكو من وضع الزراعة المتردّي، وهو الذي حاول مع ابنه إيجاد زراعة بديلة تساعدهما على الاستمرار، فزرعا الشمام البرعشيتي الشهير بعدما اكتشفا أن أرض بلدتهم تصلح لهذا النوع من الزراعة «إلا أن هذه الزراعة سرعان ما أصيبت بالمرض، ولم يُعثر على أي دواء لإنقاذها، ولا أحد يهتم من المسؤولين».
أضرار المزارعين من جراء حرب تموز ما زالت مستمرة، وإن كانت منظمة الفاو ووزارة الزراعة قد أصدرتا تقريراً مشتركاً بعد حرب تموز بأن حجم الأضرار الزراعية يقدر بـ280 مليون دولار أميركي، فيما قدر تجمع مزارعي الجنوب الأضرار بـ400 مليون دولار، إلا أن أحداً لم يعوّض على المزارعين هذه الخسائر، ولم تجر دراسة للتأكد من الأمراض التي حلّت بالتربة بعد حرب تموز. فالسؤال الذي يطرحه المزارعون اليوم في منطقة بنت جبيل هو: من يعوّض على الخسائر المستمرة، ومن هو المسؤول عن إعادة استصلاح الأراضي المسمّمة من الحرب ويدعم المزارعين ويشجعهم على البقاء في أرضهم؟ وخصوصاً أن مياه الليطاني التي تعبر الجنوب اللبناني لا تصل إلى المزارعين، بحيث لا يفيدون منها لري زراعاتهم، ولا لخفض أكلافهم الزراعية المتزايدة.