حسمت تل أبيب أمرها، على ما يبدو، في مقاربة الملف الإيراني، وقررت عدم السماح لطهران بالتحول إلى قوة نووية، وهي تُعدّ العدة لأجل مواجهة هذا الاستحقاق في لحظة الحقيقة التي قد تحين قبل نهاية العقد الحالي
محمد بدير
ذكرت صحيفة «معاريف» أمس أن القرار الإسرائيلي بعدم التسليم بتحول «دولة آيات الله» إلى دولة نووية، اتخذ بعد مداولات استراتيجية شارك فيها كبار القادة السياسيين والأمنيين في إسرائيل، مشيرة إلى أن هذه المداولات حسمت الجدل القائم بين تيارين في المؤسسة الإسرائيلية: يدعو الأول إلى التعايش مع الذرة الإيرانية، فيما يعتقد الثاني بوجوب فعل كل شيء، بما في ذلك شن عملية عسكرية، للحؤول دون اجتياز إيران للقطوع النووي.
وأوضح كبير مراسلي الصحيفة، بن كسبيت، تحت عنوان «القرار: إجهاض (المشروع) النووي الإيراني»، أن مؤدى هذا الحسم هو التالي: «إن لم يسقط نظام آيات الله في غضون العام المقبل، وإن لم يوجه الأميركيون ضربة عسكرية إلى طهران، وإن لم تؤد العقوبات إلى كسر مشروعها النووي، فإن إسرائيل ستضطر للتحرك بقوة». ويوضح كسبيت ما يعنيه بالقول إن «التحضيرات لخيار عسكري إسرائيلي هدفه، بشكل أو بآخر، إحباط المشروع النووي الإيراني، هي في الذروة، وهذا يعني أن هناك احتمال تدهور إقليمي خلال عام إلى عام ونصف». وفيما لم يستبعد الكاتب تفسير القرار الإسرائيلي «بأنه تصعيد تحت سقف مبدأ: أمسكوني»، فإنه يوصي بأخذه على محمل الجد، مدعماً توصيته بكلام لرئيس الوزراء الإسرائيلي، إيهود أولمرت، قاله الأسبوع الماضي في اجتماع مغلق، ورأى فيه أن «هناك قيادتين هامتين في الجيش الإسرائيلي اليوم: قيادة الجبهة الداخلية وقيادة سلاح الجو»، في تلميح إلى دورهما الحيوي في أي هجوم محتمل على إيران.
بيد أن بين القرار الإسرائيلي وتنفيذه عقبات أهمها الضوء الأخضر الأميركي الذي تسعى تل أبيب للحصول عليه من دون نجاح. وأشار بن كسبيت إلى أن «إسرائيل لا تحتاج إلى هذا الضوء لاعتبارات سياسية فقط، بل عملانية أيضا»، إذ إن «الطريق الجوي الأقصر إلى إيران يمر عبر العراق الذي يسيطر عليه الأميركيون، وسنكون بحاجة إلى تصريحهم وشيفرات سرية منهم للتحليق فوقه».
وفي سبيل تذليل هذه العقبة، أرسل أخيراً القيادي «العمالي» وعضو الكنيست السابق، أفرايم سنيه، رسالة إلى مرشحي الرئاسة الأميركية، جون ماكاين وباراك أوباما، يشدد فيها على عدم قبول أي حكومة إسرائيلية بإيران نووية، ويحذر من لجوء إسرائيل إلى الخيار العسكري لمواجهة هذا الاستحقاق «عندما يصبح واضحاً أن إيران توشك على الوصول إلى السلاح النووي». وتحت طائلة هذا التحذير، يقترح سنيه على الأميركيين «خياراً عقلانياً ورخيصاً لا يتضمن إراقة دماء» يتمثل في حملة أميركية فعلية ومكثفة لتجنيد أوروبا بأكملها لفرض «عقوبات حقيقية» على إيران غايتها إسقاط النظام فيها. ويوضح سنيه، في رسالته التي تتألف من ثمانية بنود، ماهية العقوبات المطلوبة، وهي تتلخص في فرض حصار نفطي ومقاطعة مصرفية كاملة، مشيراً إلى أن هاتين الخطوتين ستؤديان إلى انهيار النظام خلال فترة قصيرة. ويشير سنيه إلى أن «نافذة الفرص (لتطبيق هذا الاقتراح) تمتد حتى نهاية العقد الحالي، وهذا يعني أن التحرك يجب أن يبدأ الآن».
وبحسب بن كسبيت، فإن سنيه يروج لفكرته على الأرض أيضاً، حيث زار الأسبوع الماضي كلاً من سويسرا والنمسا، وحذر المسؤولين فيهما من مخاطر الاستثمار في إيران، ذلك أن «(قائد سلاح الجو الإسرائيلي) عيدو نحوشتان سيشعل هذه الاستثمارات».
ومن بين المحاذير الإسرائيلية في هذا الإطار موقع سوريا في أي مواجهة عسكرية بين تل أبيب وطهران. وفي هذا السياق، وضع بن كسبيت التفاوض مع دمشق في خانة الاستعداد الإسرائيلي للخيار العسكري ضد طهران على قاعدة «تحييد سوريا (وإخراجها) من دائرة الرعب تمهيداً لاشتعال محتمل». كذلك فإن سيناريوات شن تل أبيب لعملية عسكرية على إيران تفترض حرباً صاروخية على جبهتي لبنان وغزة ستكلف إسرائيل مئات القتلى. ووفقاً للكاتب، فإن هذه الاستحقاقات هي سبب دعوة الكثيرين في إسرائيل إلى تأليف حكومة طوارئ وطنية، «فالأيام المقبلة تحتم توحيد كل الطاقات الصهيونية في سلة واحدة» في حرب «ستكون حرب حياة أو موت».