تحضيرات لتحقيق جديد، يضمّ زوجته، حول التهرّب الضريبي، والمقرّبون منه تخلّوا عنه لأنّه بات كـ«رفيق السوء»حيفا ــ فراس خطيب

لم يعد رئيس الحكومة الإسرائيلية، إيهود أولمرت، «رئيساً قيد الجدل»؛ فعناوين الشبهات الجديدة ضدّه، التي أُثيرَت وهو يهمّ بمغادرة تل أبيب إلى باريس، تجمع على «انحداره نحو التاريخ».
لا أحد يدافع عنه سوى مقرّبين تقتبسهم الصحف من دون أسماء، ومحامين يؤدون المهمة الصعبة في وجه العاصفة: افتتاحيات الصحف وكتّاب الأعمدة، كما المراقبون والمعلّقون اليوميون، يجمعون على أنَّ نهايته تقترب، وإن أنصفه أحدهم قال «كان أرييل شارون فاسداً أكثر منه». غير أنّ أحداً لم يعد يتبرّع ويدّعي براءته، حتى هؤلاء الذين دعموه بعد تقرير «فينوغراد»، نادمون اليوم، ومنهم من يخاطب أولمرت: «اذهب الآن، وإذا خرجت من القضية بريئاً فسنعتذر منك، لكن عليك الذهاب الآن».
يمرّ على الدولة العبرية أسبوع عاصف: تقرير «غير كافٍ» عن رون أراد، وصفقة «تبادل الأسرى» وتحرير سمير القنطار عنوةً، من دون معرفة طرف خيط عما إذا كان الجنديان الأسيران على قيد الحياة أم لا. كل هذا إلى جانب قمة متوسّطية سرق الرئيس السوري بشّار الأسد فيها الأضواء من أولمرت «المنطفئ». هذه العناوين، لم تقوَ على إخفاء قضية رئيس الحكومة وإنزالها عن الصفحات الأولى.
إلى هذا الحدّ أولمرت متورّط؛ إلى درجة لم يعد «الاستجواب المضاد» الذي سيقدّمه موشيه تالنسكي بعد غد بالأمر المهم. هذا الاستجواب، الذي لطالما كان «حلم أولمرت» لاستعادة «التأييد الجماهيري المفقود»، سيكون على الأرجح من دون معنى لأنّ انفجار مسألة «أولمرت تورز» سبقت موعده.
قضية فجّرها التحقيق يوم الجمعة الماضي، حين استجوبوا أولمرت فجأة، وتبيّن لهم تلقّيه تمويلاً مزدوجاً من جهات مختلفة للسفرة نفسها وإيداعه ما بقي من أموال في حساب إدارة شركة السفر الإسرائيلية التي يتعامل معها، وهي «ريشون تورز»، بحيث استغل الرجل هذه الأموال، في سفرات خاصة وعائلية.
أراد المعلّقون أن يطلقوا على القضية اسماً أكثر جدية: «الفواتير الوهمية». لكنَّهم أحجموا. ففي تاريخ رئيس الحكومة قضية فساد أخرى قديمة اسمها «الفواتير الوهمية» حين شغل منصب محاسب حزب «الليكود». قضيّة خرج منها بريئاً لـ«عدم كفاية الأدلة»، فاختاروا اسم «أولمرت تورز». ولكن عدداً آخر من المعلّقين تمسّك بالاسم الكلاسيكي، مع تعديل بسيط فأصبحت قضيّته «الفواتير الوهمية 2».
آخر حلقات التسريب كان ما كشف عنه مصدر من سلطات فرض القانون لـ«هآرتس»، عن أنّ أولمرت، ومن خلال التحقيق الأخير معه، «عزَّز الشبهات ضدّ نفسه». وأضاف المصدر «لم ينجح أولمرت في إنقاذ نفسه من غيمة الشبهات، بل العكس حصل».
وفي السياق، كشفت «يديعوت أحرونوت» على صفحتها الأولى عن «نقاش» داخلي بين محامي أولمرت أنفسهم. وأشارت إلى أنّ عضو طاقم المحامين، رون شابيرا، «أعرب عن خشيته من أنه في حال تقديم لائحة اتهام ضدّ موكّله، فمن الممكن أن يتكبد الأخير حكماً بالسجن»، مقترحاً على زملائه أنه «من المحبذ التفكير بصفقة مع الادعاء» أي النيابة العامّة. وبحسب القانون الإسرائيلي، فإنَّ صفقة مماثلة ستكون إدانة واضحة له.
وتابعت «يديعوت» أن اقتراح شابيرا جاء في جلسة «صعبة» لطاقم المحامين مع أولمرت يوم الخميس الماضي، أي قبل يوم واحد من التحقيق. جلسة اقترح خلالها شابيرا «تلمّس» إمكان عقد صفقة مع النيابة العامة، تتضمن اعتراف أولمرت بمخالفات «مخففة» نسبياً، مثل «الغش وخرق الأمانة»، في مقابل إعلانه التنحي نهائياً عن منصبه. لكنَّ المحامين الآخرين، بحسب الصحيفة نفسها، رفضوا اقتراح شابيرا جملةً وتفصيلاًً.
إلى ذلك، نفى المستشار الإعلامي لرئيس الحكومة، أمير دان، أن يكون موضوع «صفقة الادعاء» قائماً. وقال «لم يطرح الموضوع أصلاً». نفي انضمّ إلى تكراره شابيرا نفسه.
وعلمت «يديعوت أحرونوت» أنّ أولمرت سيخضع لتحقيق إضافي بشبهة بمخالفة سلطات الضرائب، وبتلقي أموال من دون إبلاغها. ومن المتوقع أن ينضم إلى طاقم المحققين مع أولمرت، موظّف رفيع المستوى يكون مندوباً عن سلطات الضرائب. وتفحص الشرطة أيضاً إمكان استدعاء عليزا أولمرت، زوجة رئيس الوزراء، إلى التحقيق في شبهات استغلال الأموال الباقية من مصاريف السفرات لأغراض ورحلات عائلية.
وفي ظلّ هذا التورّط، يستعدّ الحزب الحاكم «كديما» لانتخاباته الداخلية وإقالة أولمرت. ونقلت «هآرتس» عن مقربين من المتنافسين الأربعة على رئاسة الحزب، تبريرهم لصمتهم بأن الانتخابات التمهيدية الداخلية لاستبدال أولمرت أصبحت حقيقة، وأنّ الحزب عبّر عن موقفه في الماضي ولا جدوى من إطلاق تصريحات ضدّ رئيس الحكومة، فيما هو موجود في باريس.
وقال قياديّون في «كديما» إنّه «أصبح واضحاً أن أولمرت لن يتنافس في الانتخابات التمهيدية وسيرأس الحزب شخص جديد في أيلول المقبل».
ورأى مستشار لأحد المتنافسين أنّ «أولمرت أصبح تاريخاً، وهذه القضية لن تغيّر الوضع وأنّ هذا مجرد تحقيق جديد، لكن نهاية أولمرت أصبحت حقيقة».
إنّ ما كان سائداً بالنسبة إلى أولمرت بعد صدور «فينوغراد» لن يبقى على حاله. الواقع اليوم يختلف عمّا كان عليه قبل أشهر. بعد «فينوغراد»، كان الوقت حليفاً لأولمرت: كلّما كان يمضي يوم من دون اتخاذ اجراءات ضدّه، كان الغضب الجماهيري يهدأ رويداً رويداً، والائتلاف الحكومي يجد تبريرات للبقاء على حاله بحجة «التحديات الإقليمية». لكنَّ الوضع اليوم مختلف؛ فمع مرور كل يوم إضافي، يفقد أولمرت شرعيته. الرسوم البيانية والحديث عن حسابات المصرف وانهياره في استطلاعات الرأي، ورحلاته، لم تترك حيزاً للدفاع عنه. ويعي قادة الائتلاف الحكومي أنّ التمسك به اليوم أصبح يعني الاتجاه نحو الهاوية، تماماً مثل «رفيق السوء».