ليس رئيس دولة منسيّة، بل عسكري على رأس دولة مفعمة بثورات ونزاعات تجد جذورها في الاستعمار وتعود بأسبابها إلى التهميش والاحتكار والاستقطاب
شهيرة سلوم

عمر حسن البشير (64 عاماً)، من قرية هوشي باناجا، ينتمي إلى عائلة فقيرة. انضم في سن مبكرة إلى الجيش السوداني وتخرّج من الأكاديمية العسكرية في القاهرة. خدم مع الجيش المصري في حرب عام 1973 ضدّ إسرائيل، وعندما عاد إلى بلاده السودان، تسلّم قيادة العمليات العسكرية ضدّ جيش تحرير الشعب السوداني (حركة تمرّد سوداني متمركزة في الجنوب)، ليصبح بعدها عقيداً ويقود انقلاباً عسكرياً مع مجموعة من الضباط عام 1989 ضدّ حكومة الائتلاف برئاسة صادق المهدي.
بعدها أقام حكماً عسكريّاً وحلّ الأحزاب السياسية، وطبّق قانوناً ذا منحى إسلامي. ترأس مجلس قيادة الثورة للإنقاذ الوطني (الذي كان يمتلك صلاحيات تشريعية وتنفيذية) قبل أنّ يحلّه وينتقل إلى رئاسة الدولة عام 1993 وينقل معه صلاحيات مجلس الثورة، ليجمع رئاستي الدولة والحكومة وقيادة الجيش ووزارة الدفاع.
انتخب عام 1996 رئيساً لخمس سنوات، ووضع دستوراً جديداً للبلاد بعد سنتين، ثم قانوناً بمعاونة البرلمان يقيّد تأسيس الجمعيات السياسية المناوئة له، والتي حال دون دخولها إلى الحكومة.
كان حليفاً لرئيس البرلمان وزعيم الجبهة الوطنية الإسلامية، حسن الترابي، إلى أن قرّر في كانون الأول عام 1999 إعلان قانون الطوارئ والانقلاب على البرلمان عبر إرسال الدبابات والجيش إليه وإخراج الترابي منه، ثم سجنه وإقالة وزرائه من الحكومة.
البشير رئيس دولة مفعمة بالمشاكل والنزاعات الداخلية، شهدت حروباً أهلية بين الشمال حيث الحكومة المركزية تحتكر ثروات البلاد المتركزة في الجنوب وحيث حركات التمرّد والانفصال والحرمان الاجتماعي والاقتصادي.
أقرّ المجتمع الدولي، ابتداءً من عام 2001، مجموعة من العقوبات تهدف إلى إنهاء النزاع والسماح للمنظمات الإنسانية بتقديم المساعدات إلى الجنوب. وفي عام 2005 وُقّع اتفاق سلام وتقاسم ثروات بين الشمال والجنوب، الذي حظي بحكم ذاتي.
أنهى الاتفاق المذكور أطول نزاعات القارة السمراء، إذ إن جذوره تعود إلى الاستعمار البريطاني، حيث كان القسمان يحكمان بشكل منفصل، جرّاء الاختلاف الإثني والديني. الشمال يقطنه العرب والمسلمون، والجنوب الأفارقة والمسيحيون. اختلاف أدى إلى وقوع حرب أهلية أولى خلّفت مليون قتيل وانتهت عام 1972 بتوقيع اتفاق سلام أول. لكن الجنوبيين شعروا بالغبن، ولا سيما بعد محاولة الشمال السيطرة على المقدرات النفطية وأسلمة البلاد، فاندلعت الحرب الثانية عام 1983 وقُتل فيها أكثر من مليونين قبل أن يحل السلام من جديد.
وما إن بدأ النزاع شمال ـــ جنوب يبرد، حتى اشتعل نزاع آخر في غرب البلاد في دارفور، في أواخر 2003، فقامت الحكومة السودانية بقمع حركة التمرّد. واتُّهمت بإنشاء مجموعة مسلّحة «الجنجاويد» لقتال المتمرّدين، وارتكاب أفظع الجرائم الإنسانية.
عام 2004، أعلن البشير القضاء على التمرّد. لكن القتال استمرّ وكذلك المجازر الجماعية، رغم التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق نار. وفي آذار 2007، اتهمت بعثة تابعة للأمم المتحدة الخرطوم «بالتدبير والمشاركة» في «جرائم حرب وجرائم ضدّ الإنسانية». ثم أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي توقيف بحق الوزير المنتدب للداخلية أحمد هارون وأحد قادة الجنجويد علي قشيب. رفض البشير على الدوام تسليمهما، إلى أن صعد في القطار ووُجّهت إليه التهم نفسها.
كما اتهم البشير، الذي صنّفته المنظمات الحقوقيّة كـ«أسوأ دكتاتور لعام 2007»، بالتغاضي عن تجارة الرقيق في السودان. وأفادت تقارير المنظمات الإنسانية بأنّ العديد من المجموعات الموالية للحكومة تقوم بخطف النساء والأطفال من الجنوب وتسويقهم كعبيد. لكن البشير لطالما هاجم هذه التجارة.
«الدكتاتور» ليس تلك الشخصية المحبوبة في أوروبا أو أميركا بتاتاً، لكنّه ادّعى بأنّه عرض على الولايات المتحدة اعتقال زعيم تنظيم «القاعدة» أسامة بن لادن، إضافة إلى معلومات استخبارية حوله، لكن إدارة الرئيس الأميركي بيل كلينتون لم تتجاوب مع الفكرة، وهو ما نفته واشنطن.
حامت شبهات كثيرة حوله بأنّه يأوي بن لادن. وقامت واشنطن في عام 1998 بتوجيه ضربة عسكرية إلى مصنع الشفاء للأدوية في السودان، ادّعت أنّه كان يصنع أسلحة كيميائية لجماعة بن لادن. لم تقدّم أي دليل يثبت ادّعاءاتها، كما لم تسمح للجنة مستقلة بالتحقيق. والخرطوم، كانت دوماً على لائحة وزارة الخارجية الأميركية للدول الراعية للإرهاب.