انشقاق في الحزب الحاكم بدعم من الجنرالات يهدّد الديموقراطية الوليدةمي الصايغ

الصراع في موريتانيا اليوم ليس بين موالاة ومعارضة، كما في غالبية الأنظمة الديموقراطية، بل داخل الموالاة نفسها. إذ انشقت مجموعة من نوّاب حزب «الميثاق الوطني للديموقراطية والتنمية»، الذي يتزعمه رئيس الوزراء المكلف ولد أحمد الواقف، وقدمت التماساً لحجب الثقة عن الحكومة، فما كان من الرئيس سيدي ولد الشيخ عبد الله إلا استدراك الأزمة، عبر قبوله استقالة الحكومة وإعادة تكليف رئيسها.
الرئيس الموريتاني سعى إلى امتصاص نقمة النواب الغاضبين، مع تأكيده على «الثقة التامة» بقائد الحرس الرئاسي، الجنرال محمد ولد عبد العزيز، وحليفه قائد أركان الجيش الجنرال محمد ولد الغزواني، المتهمين بالوقوف خلف الأزمة السياسية الحالية.
ورغم نفي الرئيس الموريتاني وجود أي خلاف بينه وبين بعض الجنرالات، إلا أن العديد من السياسيين والمراقبين يرون أن تحرك النواب لم يكن ليصل إلى هذا المستوى من الحدة، لولا رعاية بعض العناصر القوية في المؤسسة العسكرية.
فرضية عزّزها وجود علاقات «حميمة» تربط الوجوه المستقيلة من الحزب الحاكم، بـ «الرموز العسكرية للمرحلة الانتقالية» السابقة أو بأوساط الاستخبارات و«الجنرالات الجدد». وبالتالي يمكن وضع تحرّك بعض رموز المؤسسة العسكرية في خانة شعورهم بالخطر الذي يتهدد نفوذهم، مع جنوح الرئيس الموريتاني في تشكيلة الحكومة المستقيلة نحو قدر معقول من الاستقلالية عبر إشراك اثنين من أبرز أحزاب المعارضة التقليدية في حكومة الواقف هما، «التجمع الوطني للإصلاح والتنمية» (الإخوان المسلمون) وحزب «اتحاد قوى التقدم» (اليساري)، الأمر الذي وجد فيه بعض جنرالات الجيش، نوعاً من التهميش والتجاوز لهيبتهم وسلطتهم العسكرية.
«انقلاب مدني» ضد «الرئيس». هذا ما ذهب إليه رئيس الكتلة البرلمانية لحزب «اتحاد قوى التقدم»، محمد المصطفى ولد بدر الدين، الذي اتهم حاجبي الثقة بتنفيذ «انقلاب يعده ويخطط له العسكر ولكن بإخراج برلماني». ورأى «أن العسكر يحاولون إذلال وتركيع السلطات المدنية ويحضرون لمشهد سياسي قادم»، بعدما شبّ الرئيس عن الطوق وخرج عن سيطرتهم.
ووسط مخاوف من عودة البلاد إلى زمن الانقلابات العسكرية، اتهم زعيم حزب «اتحاد قوى التقدم»، محمد ولد مولود، أعضاءً في المجلس العسكري للعدل والديموقراطية، الذي حكم في الفترة الانتقالية بعد إطاحة الرئيس معاوية ولد الطايع عام 2005، «بالتنكر للتعهدات التي قُطعت بشأن إعادة السلطة إلى المدنيين والابتعاد عن السياسة».
في المقابل، يشير مراقبون إلى أن للأزمة الحالية أبعاداً دولية وإقليمية تتصل بـ«تفاهم ودي» بين الولايات المتحدة وفرنسا. إذ يمكن وضع تحرك «الجنرالات الجدد» في سياق «دولي» يعكس قلقاً متزايداً من ضعف قبضة الرئيس على مقاليد السلطة، وبروز ميوله الدينية الواضحة و«حساسيته» إزاء استمرار العلاقات مع إسرائيل، إضافةً إلى فشله في معالجة الملفات الكبرى العالقة مثل المخدرات والإرهاب.
هذا ما لمّح إليه المحلل السياسي، الحسين ولد محنض، من خلال تناوله عدم ارتياح فرنسا إلى نظام ولد الشيخ عبد الله. ويعود ذلك إلى خطوات عديدة قام بها الرجل (منها إطلاق سراح سجناء سلفيين، والترخيص لحزب إسلامي، وبناء مسجد في القصر الرئاسي).
سيناريو في حال اكتماله، سيصب في مصلحة العقيد أعلي ولد محمد فال، الحاكم العسكري السابق، الذي قد تعيده القوى الدولية إلى سدة الحكم عبر انتخابات سابقة لأوانها.


إلا أن العسكر بشكل عام، والمعنيين بالترقيات بشكل خاص، وجدوا فيها هدية ملغومة، مع شعورهم بفقدان «أوراقهم» الضاغطة داخل المؤسسة العسكرية والأمنية التي ينتمون إليها، ولا سيما أن الترقيات أرفقت مع إحالة البعض إلى التقاعد وكف يد البعض الآخر عن الاضطلاع بدور أمني، وإبقاء صلاحياتهم داخل إطار المعسكر.