نطالب الأونروا بتوزيع السلع الغذائية الأساسية لجميع اللاجئين من دون استثناء، وتوفير الرعاية الصحية الكاملة واللائقة، والتوقف عن تقليص الخدمات بحجة عدم توافر الموازنات الكافية، فهذه ليست مسؤولية اللاجئين الفقراءيمر اللاجئون الفلسطينيون بأزمة معيشية وصحية صعبة في مخيمات لبنان، ويعود ذلك إلى أسباب عديدة، إذ إن الغلاء أصبح فاحشاً ويتصاعد بشكل دوري، في حين ترتفع معدلات البطالة والفقر، ما يؤدي إلى تدنّي مستويات المعيشة إلى مستويات قياسية في لبنان بشكل عام، وفي المخيمات الفلسطينية بشكل خاص. وكل ذلك يضاف إلى استمرار حرماننا كلاجئين من حقوقنا المدنية، ناهيك عن تداخلات الأزمة الاقتصادية والسياسية التي تعصف بلبنان، وانعكاس ذلك على عدم توافر فرص العمل للمواطن اللبناني، فكيف إذاً باللاجئين المحرومين أصلاً من حق مزاولة معظم المهن المتوافرة؟ ... وفي ظل هذا الواقع الإنساني الصعب، تقلّص «الأونروا» الخدمات التي تقدّمها للاجئين الفلسطينيين في لبنان، بحجة عدم توافر الموازنات المالية الكافية لتغطية القطاعات المعيشية كلها، ما يزيد من حدة الأزمة على اللاجئين الفقراء. تُعدّ «الأونروا» الجهة الرئيسية التي تقدم الخدمات للفلسطينيين في لبنان، وخصوصاً ما يتعلق بالصحة والتعليم، وبشكل أقل في موضوع الإعاشة لحالات الفقر الشديد. ويرى الفلسطينيون وكالة الأونروا بمثابة الحكومة الخدماتية، والرئة الحيوية التي يتنفسون منها، وخصوصاً بعد توقيع اتفاق أوسلو عام 1993 وإغلاق مؤسسات منظمة التحرير الفلسطينية، بحيث أصبحت حاجة الفلسطينيين للأونروا في أقصى درجاتها. والأونروا ليست منظمة خدماتية فحسب، إذ إنها تحمل معاني سياسية، لأنها متخصصة في شؤون اللاجئين الفلسطينيين، وبالتالي فإن إنهاء دورها بأي شكل من الأشكال يعني إنهاء قضية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان. وبالتالي يتمسك الفلسطينيون بهذه المنظمة تمسكهم بقضيتهم.
إلا أن هذا الواقع يختلف عملياً، إذ إن الأونروا تكرر إعلانها بأن موازناتها المالية تزداد سنوياً، فيما اللاجئون يشكون تقلص الخدمات المقدمة من الوكالة. لكن المشكلة بالفعل لا تتعلق بتراجع التقديمات، إلا أن الأزمة الواضحة هي أن الموازنات المخصصة للأونروا لا تتناسب فعلياً مع الحاجات الحقيقية للاجئين الفلسطينيين في ظل المشكلة المعيشية المتفاقمة.
إذ يمنع القانون اللبناني على الفلسطينيين اللاجئين الدخول إلى قطاعات اقتصادية متعددة، لذلك فإن معظم الفلسطينيين هم مياومون، أو يمارسون الأعمال الموسمية، أو الأعمال الزراعية، وبأجور متدنية جداً، تكاد تكون نصف ما يتقاضاه العمال اللبنانيون. ويتزامن ذلك مع ارتفاع الأسعار الذي يصيب جميع سكان لبنان، هذا الواقع أدى إلى ازدياد حالات الفقر بشكل ملحوظ في المخيمات الفلسطينية، فتكاثرت ظواهر عدة، منها عمالة الأطفال، ودخول النساء إلى مجالات عمل مرهقة جسدياً، ما أدى إلى ارتفاع أصوات اللاجئين للمطالبة بزيادة التقديمات من «الأونروا»... وعلى الرغم من الخدمات المقدمة، إلا أن الثقة ضعيفة بين اللاجئين من جهة والأونروا من جهة أخرى، وعمليات التواصل بين الطرفين يشوبها الكثير من الجدل واللغط. إذ يشكو الفلسطينيون في لبنان من وجود فساد ممنهج في عمل الأونروا، ولو أن الشفافية والموضوعية طبقتا فعلاً لأمكن التعامل بشكل أفضل مع الموازنات المعروضة، وإن النظر في بنود توزيع الموازنات السنوية يبيّن وجود خلل ما. وتتركز أكثر المشاكل مع الأونروا بخدمات الصحة، وخدمات الإعمار للمنازل التي لا تصلح للسكن، وخدمات الإعاشة لحالات العسر الشديد.
أمام هذا الواقع الأليم، وبما أن منظمة الأونروا وُجدت وأُنشئت منذ تأسيسها لإغاثة اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وبلدان الشتات الأخرى وتشغيلهم، وباعتبارها الشاهد الدولي على حقهم كلاجئين، وهي المسؤولة عن إغاثتهم ورعاياتهم حتى يعودوا إلى أرضهم وتُحلّ قضيتهم، لذلك فإننا كلجان أهلية ومؤسسات وأندية فلسطينية في مخيمات لبنان، ندعوكم إلى تحمل مسؤولياتكم كلها، والمبادرة بشكل سريع إلى إيجاد حلول واقعية تخفف من معاناة أهلنا من فقر وبطالة، ولما لذلك من انعكاسات على الأوضاع الاجتماعية والاستقرار الاجتماعي داخل المخيمات، لذلك فإننا نطالبكم باسم لجان المتابعة الأهلية والمؤسسات والأندية الفلسطينية بالآتي:
أولاً: إعادة توزيع السلع الغذائية الأساسية (الإعاشة) كلها لجميع اللاجئين من دون استثناء، والتي هي حق لهم جميعاً في ظل هذا الغلاء الفاحش والتضخم المالي المتصاعد.
ثانياً: العمل على توفير الرعاية الصحية الكاملة وتحسين مستوياتها، والتعاقد مع مستشفيات تتوافر فيها جميع المواصفات والخدمات اللائقة، وعدم ترك اللاجئين فريسة سهلة لجشع المستشفيات الخاصة وعدم اكتراثها لظروفهم.
ثالثاً: التوقف عن سياسة تقليص الخدمات في القطاعات الأخرى، بحجة عدم توافر الموازنات المالية الكافية، فهذه ليست مسؤولية اللاجئين الفقراء.
إننا كلجان أهلية ومؤسسات وأندية فلسطينية، نمثل جميع شرائح المجتمع الأهلي الفلسطيني، وبعد أن راجعتنا أعداد ضخمة من أبناء شعبنا الذين لم يعد باستطاعتهم تحمّل أعباء هذه الضائقة المعيشية، وخاصة بعد هذا الغلاء الجنوني، وتلافياً لأية احتجاجات أو خطوات عملية ضد مؤسسات الأونروا، وخاصة أمام وسائل الإعلام... فإننا آلينا على أنفسنا أن نرفع مطالب أهلنا المحقة، آملين من حضرتكم التعاطي مع هذه المطالب بإيجابية، وذلك من خلال بذل أقصى الجهود الممكنة، وبمخاطبة المجتمع الدولي بمؤسساته وتنظيماته كلها، كي يتحمل مسؤولياته بشكل كامل ودائم نحو رعاية اللاجئين الفلسطينيين في لبنان وإغاثتهم، إلى أن تحل قضيتهم وعودتهم بشكل عادل إلى أرضهم. إن تقديم بعض المساعدات العينية والغذائية لشريحة قليلة، وخاصة كبار السن والعجزة، لم تعد كافية، فمعظم شرائح المجتمع الفلسطيني أصبحت تحت خط الفقر الشديد.
نحن لا نطلب المستحيل بل نطالب بأدنى الحقوق الإنسانية، وبذلك ننتظر ردكم السريع والإيجابي على مطالب شعبنا المحقة، آملين العمل على تحقيقها بأسرع وقت ممكن، تلافياً للفوضى الاجتماعية التي قد تنشأ، وتلافياً للظواهر الاجتماعية السيئة التي يولّدها الفقر والجوع، كالسرقة والجريمة والانحراف، والتي قد تهدد الاستقرار الأهلي في المخيمات...