محمد زبيبتواجه الحكومة الجديدة في بداية عمرها القصير 3 ملفات اجتماعية ساخنة لا تقبل التأجيل:
1ـــــ وضع موازنة عام 2009 وإقرارها، وهي مهمة صعبة جداً، إذ عادة ما تنفتح شهية السياسيين على الإنفاق «العشوائي غير المخطط» و«التبذيري غير المجدي» عشية كل انتخابات نيابية... وتزداد هذه المهمّة صعوبة في ضوء عدم إقرار أي موازنة منذ عام 2006 حتى اليوم، إذ يجب على هذه الحكومة إحالة 4 مشاريع قوانين للموازنات على المجلس النيابي في الوقت نفسه، وهو ما سيؤدّي إلى إرباكات في مناقشة هذه المشاريع، فضلاً عن أن مشروعَي موازنة هذا العام والعام المقبل، لا بد أن يتضمّنا مفاعيل الإجراءات التي اتخذتها الحكومة السابقة على صعيد دعم القمح وإلغاء أو خفض بعض الرسوم الجمركية بهدف الحد من ارتفاع الأسعار، ومفاعيل زيادة الأجور في القطاع العام... من دون أن يكون هناك أي قدرة على إحداث أو زيادة الضرائب والرسوم لأسباب انتخابية، ما يعني أيضاً إعادة نظر شاملة بسيناريوات برنامج (باريس 3) التي قامت على خصخصة الهاتف الخلوي وزيادة معدّل الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% في المرحلة الأولى، وزيادة الرسوم على البنزين تدريجاً لتبلغ 6 آلاف ليرة في حد أدنى على كل صفيحة. وهذه الإجراءات تبدو مستحيلة التنفيذ في ظل الأوضاع القائمة، بل باتت تتعارض مع الحاجات التي يجب على الحكومة دراستها، ولا سيما لجهة إلغاء الرسوم والضرائب المفروضة على المحروقات، ولا سيما المازوت.
2 ـــــ تصحيح الأجور وزيادة الحد الأدنى، وهذا الملف هو من أكثر الملفات تعقيداً وإثارة للسجال، فالحكومة السابقة اتخذت قراراً «إعلامياً» يقضي برفع الحد الأدنى للأجور إلى 500 ألف ليرة، وإعطاء العاملين في القطاع العام زيادة مقطوعة بقيمة 200 ألف ليرة، وزيادة معاشات التقاعد بقيمة 100 ألف ليرة، فضلاً عن دفع «مصروف» يومي للتلاميذ في المدارس الرسمية! ولم تتعامل الحكومة مع قرارها باعتباره قابلاً للتنفيذ، بل كان هدف إعلانه امتصاص «السخط» من موجات ارتفاع الأسعار التي سجّلت معدّلات مقلقة وغير مبررة منذ تموز عام 2006، وصلت إلى أكثر من 10% شهرياً منذ آب 2007، وبلغ المعدّل التراكمي الفعلي للخسائر المحققة في القدرات الشرائية للمداخيل منذ آخر تصحيح للأجر في عام 1996 أكثر من 80%... وبحسب بعض الوزراء الجدد، فإن هذا الملف سيكون مطروحاً على جدول أعمال مجلس الوزراء في أولى جلساته مع اتجاه للعودة إلى طاولة التفاوض بين الحكومة والهيئات الاقتصادية والاتحاد العمالي العام. والمعروف أن تعقيدات هذا الملف تنبع من أحقية المطالب العمالية بالتعويض عن كامل الخسائر المحققة في الأجر، وأحقية تحذيرات أصحاب المؤسسات الإنتاجية (الصناعية تحديداً) من أن زيادة كبيرة، متزامنة مع ثقل الأكلاف المتأتية من ارتفاع أسعار الوقود والطاقة، ستؤدي إلى اضمحلال القدرات التنافسية للكثير من المؤسسات، وإلى إطلاق موجة جديدة من هجرة المنتجين... والمشكلة في هذا الملف أن أي تصحيح للأجور لن يطال حوالى 40% من مجمل العاملين اللبنانيين المقيمين، ممن ينشطون في مؤسسات ونشاطات غير نظامية وقطاعات هامشية تحتوي على العدد الأكبر من الفقراء المحتاجين إلى الدعم والحماية.
3 ـــــ إن تعقيدات ملف الأجور، لا بد أن تدفع باتجاه اعتماد سياسات «تعويضية» تخفف من حدّة أي زيادة متوقّعة، ويبرز في هذا السياق، التوافق الذي توصل إليه ممثلو كل الكتل النيابية والأحزاب الرئيسية في المنتدى الاجتماعي الذي نظّمته المفوضية الأوروبية في لبنان منذ أشهر قليلة، إذ أُقر بوجود مشكلة بنيوية في النظام الصحّي، فمن غير المقبول أن يبقى أكثر من 50% من المقيمين في لبنان ونحو نصف القوى العاملة، غير مستفيدين من أي تأمين صحي... ولذلك تبنّوا توصيتين في غاية الأهمية:
* إقامة نظام تأمين صحي أساسي موحد وشامل لكل اللبنانيين، بإدارة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وبتمويل من الموازنة العامة، بعد إلغاء الاشتراكات الإلزامية في المؤسسات الصحية الرسمية وإدماجها في سياق تصحيح الأجور.
* إقامة نظام أساسي موحد لضمان الشيخوخة يتماشى مع آخر نص قانوني قدم إلى المجلس النيابي. ويطبق على كل اللبنانيين. وهو يرتكز على الرسملة الفردية، وصولاً إلى سقف معين مع مستوى أدنى محدد ومضمون من المنافع تعبيراً عن التكافل الاجتماعي. إلا أن هذا التوافق السياسي، المشار اليه، تم بضغط من ممثلي الاتحاد الأوروبي، أكثر من تعبيره عن اقتناع القوى السياسية المهيمنة على المؤسسات، إذ بدأ وزير الصحة محمد جواد خليفة بـ«القوطبة» عليه، عبر طرح مشروع البطاقة الصحّية الذي لا يختلف عن «الضمان الاختياري» الفاشل، إلا بنقل الإدارة من الصندوق إلى الوزارة.