جسور ثقة بين المتصارعين في المنطقة حقّقت النجاح لبرلينبرلين ــ غسان أبو حمد
«الخبرة والثقة والصبر»، هي قواعد العمل الأساسية التي تنطلق منها ألمانيا في وساطاتها الدولية لخدمة السلام والأمن. وفي هذا المجال، تدرك المؤسسات الرسمية الألمانية أن الصمت هو طريق النجاح. من هنا، ورداً على سؤال عن «تسعيرة» الوساطة بين إسرائيل وحزب الله، يجيب مصدر في وزارة الخارجية الألمانية: «متى كانت الغاية شريفة وإنسانية وتخدم السلام لا نسأل عن التكاليف».
لكن، لهذا السؤال ما يبرّره، متى ينكشف جهد «الوسيط الدولي»، الألماني «الموظف» غيرهارد كونراد، الذي مزج «الليل بالنهار» منذ تاريخ تكليفه الرسمي قبل ثمانية عشر شهراً، حاملاً 130 بطاقة سفر، متنقلاً في الجوّ مسافة 700 ألف كيلومتر، من برلين إلى مركز الأمم المتحدة في نيويورك وبعدها إلى تلّ أبيب وبيروت، ومنها إلى عواصم أخرى معنية.

الخبرة التاريخيةوانطلاقاً من هذه الخبرة التاريخية الطويلة، تمّت الوساطة الألمانية الأخيرة في الشرق الأوسط، بغطاء شرعي من الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، الذي كلّف كونراد هذه الوساطة، فقام جهاز الاستخبارات الألماني بـ«إعارته» إلى وزارة الخارجية، كي يتمكن من التحرّك بحريّة فيدخل إلى لبنان للقاء طرف حزبي من دون إحراج المسؤولين الرسميين.
وإذا كان عامل الخبرة الطويلة عنصراً مهماً لنجاح عمليات التفاوض والتوسط تحت سقف «البيت الألماني الواحد»، إلا أنه بحاجة إلى ثقة أطراف النزاع في الشرق الأوسط. وفي هذا الميدان، لا يوجد أجدر من ألمانيا بحمل هذه الثقة.
وقد تأسّست هذه الثقة الإسرائيلية بألمانيا في مطلع خمسينيات القرن الماضي، حين بادر وزير الدفاع الألماني في حينه، فرانز ـــــ جوزف شتراوس، إلى مدّ دولة إسرائيل، سراً وعلناً، بترسانة من الأسلحة المتطورة، خلافاً للقرارات الدولية التي تقضي بمنع وصول السلاح إلى «مناطق النزاع» في العالم.
وفي السياق، يلفت المحلّل السياسي لصحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، يوسي ميلمان، إلى عامل الثقة، فيشير إلى أنه «منذ تسعينيات القرن الماضي، نالت ألمانيا ثقة الأطراف في الشرق الأوسط، بخلاف بقية الدول. إن علاقة برلين وثيقة مع جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (موساد) ووثيقة أيضاً مع طهران».
أما في الجانب العربي، فتعود هذه الثقة إلى تاريخ عريق، رسمه، المستشار الألماني الأسبق، هلموت كول، الذي أسّس علاقة اقتصادية قوية مع دول العالم العربي، وحصل بالتالي على ثقتها. وكذلك إلى جهازه الأمني «بي.أن.دي»، برئاسة أرنست أورلاو.
في عام 1992، تمكّن منسق العلاقات الأمنية في المستشارية الألمانية، النائب برند شميدباور، من الإفراج عن المواطنين الألمانين هاينريش شتروبيغ وطوماس كمتنر، المعتقلين في لبنان. ثم تحرّك جهاز الاستخبارات الألماني، بتاريخ كانون الثاني العام 2004، فتمكّن رئيس هذا الجهاز أرنست أورلاو، بما يملك من علاقات سرية ببعض الأجهزة الأمنية في عواصم القرار، وبفضل اللغة العربية الطليقة التي يتمتع بها كونراد، من التوسّط بين «حزب الله» وإسرائيل. ونجحت في حينه تلك الوساطة، ببناء الثقة ومعها الإفراج عن رجل الأعمال الإسرائيلي الحنان تننباوم ومعه ثلاثة قتلى إسرائيليين، في مقابل تحرير 29 أسيراً لبنانياً وأكثر من 400 أسير عربي من السجون والمعتقلات الإسرائيلية.
وهنا يشير برند شميدباور، لصحيفة «فرانكفورتر ألغماينه تسايتونغ»، إلى أن «الثقة هي مفتاح التقدم في الشرق الأوسط، وهذا المفتاح قاعدته إلى جانب تل أبيب، وحتى اليوم، دمشق وطهران وحزب الله». ويؤكد أن الأمين العام لحزب الله السيد حسن «نصر الله حافظ في الماضي على جميع الشروط والواجبات التي التزم بها في عمليات التفاوض». وتابع: «من لا يتحدث اليوم إلى حسن نصر الله، فلن يحقق أي نجاح».