هناك 200 ألف عربي قد يجدون أنفسهم من دون سقف إذا شرعت سلطات الاحتلال في هدم البيوتحيفا ــ فراس خطيب

يبدو أنَّ الحكومة الإسرائيلية، في ظل تجاهلها لمآسي القرى العربية التي تحتاج إلى علاجٍ فوري، تظهر في قضية المدينة الجديدة، التي تخطط لإنشائها في منطقة الجليل، «كمن يكنس الأوساخ إلى تحت السجادة». هذا ما يراه مخطط المدن، يوسف جبارين، الذي قال لـ«الأخبار» إن المدينة المطروحة «لن تحل مشكلة، بل ستكون مشكلة فوق مشكلة»، وخصوصاً في ظل ما تعانيه القرى والمدن العربية من مآسي الاكتظاظ. فكيف تعد الحكومة بالبناء، في ظل تهديدها الجاثم بهدم عشرات آلاف المباني العربية بحجة البناء غير المرخص؟ أليس من الأجدر حفظ الموجود؟ أم أن المخطط الجديد بين طياته مآرب سياسية معهودة؟

«تفريغ عكا»

حتى الآن موقع «المدينة الجديدة» ليس نهائياً، لكن يجري الحديث عن منطقة سكنية تقع على القرب من قرية الجديّدة العربية، الواقعة على بعد بضعة كيلومترات من مدينة عكا الساحلية. وخلافاً لما تنشره وسائل الإعلام العبرية، فالتخطيط لا يجري عن بناء مدينة من الأساس، بل عن توسيع لمنطقة تقع في قرية الجديّدة. ورأى جبارين أن موضوع المدينة «ليس جدياً».
من يحلم بمدينة عصرية فقدها الفلسطينيون منذ زمن، لن يجدها بحسب تخطيط الحكومة، ويوضح جبارين أن هناك «أبعاداً سياسية» مثلاً: «المدينة ستكون قريبة من مدينة عكا، وهناك مخططات دائمة لتفريغ عكا من سكانها العرب الأصليين، ومن الممكن أن تكون هذه المدينة القريبة من عكا ملجأً ومكاناً للعرب الذين سيتم تفريغهم».
ولا ينفي جبارين أيضاً إمكان أن تكون المدينة هذه «ملجأ لعشرات آلاف العملاء من الضفة الغربية في حال تحرك سياسي مستقبلي»، مضيفاً أنَّ «هؤلاء العملاء مرفوضون بالطبع داخل القرى العربية، وقد اعتادت الحكومة على توطينهم في المدن المختلطة، وهي الحلقة الأضعف لدى الفلسطينيين في الداخلويتابع جبارين أن من الممكن أن تستقبل «المدينة الجديدة» أيضاً، من هجروا قراهم العربية بسبب النزاعات القبلية. ويشير إلى أن هذه العوامل ستقود في النهاية إلى إمكان وجود «مدينة للفقراء تكون مشكلة إضافية على وضع العرب».

اللجنة التي ستخطط للمدينة العربية لا تضم عرباً في هذه الآونة. فهي تضم مديرين عامين للوزارات الإسرائيلية، يرأسها المدير العام لوزارة الداخلية، أرييه بار. وفي لفتة تستدعي التأمل قليلاً، طالب وزير الدفاع إيهود باراك بتعيين المدير العام لوزارة الدفاع عضواً في اللجنة، وطبعاً تمَّت الموافقة. ويفسر جبارين تعيين شخصية أمنية بهذه المكانة بأنه «يعني أن للمدينة أيضاً اعتبارات أمنية، وللحرص ألا تقام في مناطق تعدّها الحكومة استراتيجية».
صحيح أن هناك تخطيطاً لمدينة عربية، لكن المؤسسة الإسرائيليية لن تتعاطى بالتأكيد مع «المدينة الجديدة» كما تعاملت مع مدنها الخاصة، مثلاً مدينة «موديعين» الجديدة (قرب القدس المحتلة)، حيث خططت المؤسسة الإسرائيلية هذه المدينة على مدار سنوات، وبنيت إلى جانب الشارع رقم 6 (عابر إسرائيل) الذي يربط الشمال والجنوب. وخططت في داخلها المباني والمساحات الخضراء، والمراكز الجماهيرية وامتدت على عشرات آلاف الدونمات. فيها اسثمار هائل صناعياً وتجارياً، الأمر الذي استقطب الأزواج الشابة من الطبقات الوسطى.
هذه المواصفات لن تكون موجودة في المدينة الجديدة، المبنية إلى جانب قريتين تعانيان من افتقار للحد الأدنى من المتطلبات. بالكاد تحتوي المنطقة المحيطة شبكة مجارٍ ومياه وكهرباء. من يزر المكان وينظر إلى محيط «المدينة» سيفهم أنّه من الصعب بناء مدينة عصرية في هذا المكان.
القرى العربية اليوم هي أشبه بتجمعات سكانية. هي ليست قرى بالتأكيد، فهي أيضاً فقدت معناها القروي ولم ترتق إلى الحد الأدنى من المستوى المدني المطلوب. لا يمكن تسميتها اليوم سوى تجمعات سكانية كبيرة بالكاد تحتوي على المتطلبات الأولية.
عشرات آلاف البيوت في القرى العربية مهددة بالهدم. وبحسب جبارين، هناك ما يقارب الـ200 ألف فلسطيني قد يجدون أنفسهم من دون سقف يؤويهم إذا شرعت السلطات الإسرائيلية في هدم البيوت غير المرخصة. ولا تزال عشرات القرى في النقب من دون اعتراف من الحكومة، ويعيش أهلها من دون كهرباء وماء. ومع هذا، تبدأ الحكومة الإسرائيلية اليوم بالتخطيط لمدينة.
ويختتم جبارين بالقول: «الحكومة الإسرائيلية ستتخذ من مخططها هذا ذريعة لمنع توسيع مسطحات القرى العربية. سيقولون: لماذا علينا توسيع المسطحات، بنينا لكم مدينة، اسكنوا فيها».